موقف عمومي

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

أزعم أنه لو تم استفتاء عشرة من شبابنا، أختيروا عشوائيا في الشارع، وسألت كل واحد منهم على حدة سؤالا واحدا: ما هو حلمك الذي تتمنى أن يتحقق؟، ستجد تسعة منهم على الأقل يجيبونك بلا تردد: أن أعيش في بلاد الغرب، وأما العاشر فسيقول لك بخجل: أتمنى ذلك، لولا أنني لا أستطيع ترك والدي فهما بحاجة لي.
لو حدث هذا الأمر في بلاد أخرى، لاستقال مسؤولون وسقطت حكومات، ولتداعى الخبراء والتربويون الى اجتماعات عاجلة ليبحثوا في السبب الذي دعا الشاب ذخر الوطن وأداة تقدمه، الى كره وطنه، والتخلي عنه بهذه السهولة، لكن في بلادنا العربية لا تقلق هذه الظاهرة أحدا، بل قد يعتبر ذلك طموحا مشروعا.
قبل التسرع في إصدار الأحكام الظالمة بحق الجيل الصاعد، واتهامه بالإنحلال وضعف الوازع الوطني والديني، يجب النظر في الأمر بموضوعية تراعي الظرف الراهن.
صحيح أن الأجيال الثلاثة الأكبر في مجتمعنا، وهم جيلنا وجيل من سبقنا ومن تلانا، أي من تزيد أعمارهم عن الأربعين، صحيح أنهم متمسكون بالوطن وبقيم العقيدة أكثر، لكن ظروفا موضوعية لعبت دورا في ذلك، أهمها:
1 – لا شك أن هذه الظاهرة حديثة العهد وكانت محدودة في بعض الأقطار العربية لكنها انتشرت منذ عشرين عاما وتفاقمت بسرعة مع انهيار آمال الشباب بالتغيير بعد القضاء على الثورات العربية، إذ خبت الآمال بتحسن الأوضاع بعد أن نجحت الثورة المضادة بإعادة الأنظمة العفنة التي كان فسادها السبب فى تدمير الاقتصادات وتفاقم البطالة، وأدى قمعها واستبدادها الى كراهية الوطن وتفضيل الاغتراب.
إذن هذا هو السبب الظرفي الأساس، والذي لا نستطيع أن نحمل المسؤولية فيه إلا لمن تشاركوا في صنعه، وهم الأنظمة وأزلامها المستفيدين من فسادها، لكن الأنكى من هؤلاء، كان بعض (التقدميين) الذين أيدوا الثورة المضادة، فوقفوا في صف الأنظمة العفنة ضد الشباب الثائرين عليها، وتحمسوا لها أكثر من أزلامها لدرجة أنهم نالوا من كرامة هذه الملايين التي خرجت الى الشوارع مطالبة بالخبز والكرامة، واتهموهم بأنهم عملاء وأجازوا قتلهم بتهمة الخيانة والإرهاب، العجيب أنه مع كل هذه الخطايا التي ارتكبوها بحق أمتهم وشبابها، لم ينالوا مغنما، ولم يحصلوا على مكافأة، لأن دافعهم الوحيد هو الكيدية والإنتقام من الجماهير التي صوتت للإسلاميين ورفضت مرشحيهم.
2 – لا يمكن اتهام جيل الآباء والأجداد بانهم لم يُرسّخوا محبة الوطن والعقيدة في نفوس الأبناء، لكن السلطات ذاتها عملت تخريبا بالمناهج لإحلال الولاء للحاكم بديلا للوطن، وإضعاف الإرتباط بالعقيدة لمحو قضية فلسطين من الوجدان الشعبي إعدادا لتقبل الإعتراف بالكيان العدو صديقا.
3 – تطور الوسائط الإعلامية وإتاحة (الإنترنت) لكل شخص، فتح الأبواب للدعاية الغربية الموجهة لخلب ألباب الناشئة، لتصوير ثقافتهم على أنها الأسمى، وبلادهم على أنها الأجمل، وحياتهم على أنها الأسعد.
4 – للمفارقة العجيبة أن الأنظمة السياسية في الغرب، تطبق مبادئ الإسلام في احقاق حقوق المواطنين وضمان العدالة في التعامل معهم والمساواة بينهم أمام القانون، مع عدم اعترافهم بأن هذه القيم اسلامية، فيما أنظمتنا العربية تدعي أنها تنتهج الإسلام فيما هي تطبق القيم الأوروبية البائدة أيام الأباطرة فلا تقيم للمواطن حقا، ولا تلتزم بالدستور الذي يبقى حبرا على ورق، فدستورها المطبق هو إرادة الحاكم.
هذا الأمر واضح للصغير والكبير، فلا غرو أن يرى الشاب الغرب جنة مقابل ما يراه في بلاده.
5 – زيادة على الأوضاع المعيشية الصعبة، وانخفاض مستوى الدخل للعاملين، وارتفاع منسوب البطالة لدى الشباب الداخلين الى سوق العمل، فهنالك انخفاض شديد في مستوى الأمن، فمن ناحية هنالك حروب متصلة يشنها الغرب على المسلمين، حققت تقتيلا للأفراد وتقطيعا للأسر، ودمارا للمرافق العامة، وإعاقة لكل مشاريع التنمية، وفوق ذلك تمارس السلطات الحاكمة التضييق وقطع الأرزاق على ذوي التوجهات الإسلامية، والتنكيل والقمع والاعتقال لكل المطالبين بحقوقهم.
6 – ذوي الكفاءات والمواهب العربية لا يجدون اهتماما في بلادهم، فيما هم مرحب بهم في الغرب، وسواء كان ذلك مقصودا من قبل الأنظمة العربية لتفريغ الأمة من العقول والكفاءات لإبقائها متحلفة، او بسبب الفساد، فهي سياسة طاردة.
بعد كل هذا كيف نستغرب فعل من يخاطر بحياته في قوارب الموت للإنتقال الى أوروبا.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى