موسكو أخضعت واشنطن لقبول الحوار
تناقلت وكالات الأنباء الأمريكية والأوروبية بإهتمام كبير وثيقة الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة، في مسألة الهدنة السورية، و التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب تلفزيوني, فالوثيقة هي نتيجة لتنازلات سياسية إيجابية بين واشنطن وموسكو، وتفتح الطريق لمستقبل واعد في سورية و إنهاء الحرب الدموية المستمرة منذ سنوات. فالعديد من الخبراء يميلون إلى الإعتقاد بأن العمليات العسكرية الروسية فعالة ضد الدولة الاسلامية في سوريا، و نجاحات موسكو العسكرية على ارض الواقع اجبرت السياسيين في واشنطن لإتخاذ خطوات سريعة و عملية حتى لا تفوتهم المشاركة بأي مبادرة دولية مستقبلية بشأن قضية التسوية السورية.
ففي التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حيث قال أن “… عمليات القصف الجوي لمواقع داعش التي قامت بها طائرات سلاح الجو الرّوسي بعد الطلب الرسمي التي تقدمت به الحكومة السورية لموسكو, ساعدت حقاً في تحويل دفة الامور في هذا البلد، وساعدت على تطهير الكثير من المواقع التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، و أيضاً فقد ساهمت مشاركة روسيا النشطة في الحرب على الاٍرهاب إلى إعتماد عدد من قرارات مجلس الأمن الدولي المهمة و التي تهدف إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب و القضاء عليه.”
فالخطوات العسكرية والدبلوماسية تسارعت جداً بين الدول الكبرى نحو مكافحة الارهاب في سوريا والعراق، وفي هذا التسارع الكثير من الخلافات فيما بينها حول الاولويات التي تؤشر ضعف التنسيق وحجم التضارب في المصالح، سيما و أن سوريا، التي شكلت (مفترق الطرق) بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية مع حلفائها… وبالأخص دول الخليج وتركيا.
روسيا التي فتحت ذراعيها لمنع إنزلاق النظام السوري نحو الهاوية، كثفت تحركاتها العسكرية، و أجبرت الأخرين على مراجعة حساباتهم بشأن مستقبل الأسد، والنظام أيضاً… اما الولايات المتحدة التي تراجعت، على ما يبدو، خطوة الى الوراء، لا تمانع من بقاء الأسد، على الأقل لحين إتضاح الرؤية الكاملة فيما يتعلق بمستقبل الحرب ضد الإرهاب، اما حلفائها (امريكا) الغاضبين من هامش المساحة الممنوح للأسد، فهم منقسمون بين المضي قدماً مع (التحالف الدولي)، او القيام بخطوات منفردة، غالباً ما تكون غير مضمونة العواقب، وربما تعرض أمنهم الداخلي لخطر الهجمات الارهابية… تماماً مثلما حدث مع تركيا و الأردن مؤخراً.
قد تبدو الصورة في العراق اكثر وضوحاً منها في سوريا، فالفرقاء في سوريا، ربما اكثر انسجاماَ في العراق، لكن في حقيقية الأمر، التعقيد في مشهد مكافحة الإرهاب، ما زال حاضراً في كلا الموقفين العراقي والسوري، ومردهما إلى غياب فاصل الرغبة في العمل الجماعي لمكافحة الإرهاب، وربما الغفلة المقصودة عن ذلك.
فالازمة العسكرية بين الدول الكبرى والإقليمية في مساعي مكافحة الإرهاب في الشرق الاوسط، قد وصلت ذروتها، وهذا يعني أن الحل السياسي والتنسيق الدبلوماسي كان لا بد منه .
طبعا هناك الكثير من الشواهد التي سبقت هذا الاتفاق، فالقنوات الدبلوماسية التي فتحت اخيراً بين الروس والامريكان، و إمكانية دمج جهودهما تحت مسمى (التحالف الدولي)، أصبحت اكثر واقعية، إضافة إلى تصريحات صدرت من دول اوربية، وصفت على أنها اقل حدة من سابقاتها تجاه وضع (الأسد) الحالي، و إمكانية التعاون البناء في مكافحة الإرهاب بصورة جماعية.
أغلب الظن أن الحديث عن الواقع هو ما سيتم التركيز عليه في إطار جهود مكافحة الارهاب، اما التصريحات النارية ومستقبل (الأسد) و(المعارضة) و(النظام)، فكلها أشياء اصبحت من الماضي، و هي اليوم قد وضعت في أدراج المكاتب.
الواقعية تفرض على الولايات المتحدة الامريكية التنسيق مع الروس على أعلى المستويات الامنية والعسكرية والإستخبارية، والواقعية تفرض إنهاء السجال حول مستقبل النظام وكيفية تشكيلة، قبل الإنتهاء من مصدر الشر المطلق، تنظيم (داعش) و أمثاله في سوريا والعراق، والواقعية تفرض، ايضاً، أن يتم التنسيق بين الجميع، إيران، تركيا، السعودية، اوروبا، العراق، سوريا، إضافة الى دول (التحالف الدولي)… اما الدوران حول ذات النقطة التي انطلقت منها مؤتمرات (جنيف 1) و(جنيف 2)، فهذا يعني بقاء دوامة الإرهاب لعقد قادم من الزمن.
ربما حرك الروس بخطواتهم العسكرية الاخيرة، جو الشرق الاوسط، بين المؤيد والمعارض، لكن كان لابد من تحريك المياه الراكدة، والتي لم يستفد من جمودها سوى تنظيم داعش والقاعدة و امثالها في المنطقة، سيما و ان الخلافات بين الحلفاء لم تحل حتى الساعة، و إنما ولدت لنا المزيد من مشاكل الهجرة نحو الغرب والتمدد للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، إضافة إلى تنامي التهديد الإرهابي للأمن والسلم الدولي، وهي حقيقة يشعر بها المجتمع الدولي من إمكانية قيام التنظيمات المتطرفة من شن هجمات محتملة في أي بقة من العالم، نتيجة وجود ملاذ آمن لها في منطقة الشرق الاوسط.