من وجع الذاكرة / أبو ورد

من وجع الذاكرة
بيت العزاء في عمان الغربية , الشوارع أنيقة , والسيارات حديثة . روائح عطرية تسبق القوارير ….فرنسية ….أمريكية ….هولندية ….. سراويل قصيرة تكشف الكثير . صدور تستقبل لفح الحرارة فتهتز مع أول نسمة هواء , وتعانق الفضاء المفتوح على كل الاحتمالات . محلات بواجهات زجاجية انيقة , وألوان مبهرة , وبضائع أجنبية , الداخل مشغول , والخارج مشغول , وحده الرصيف يشعل الأسئلة تحت رنات الاقدام , وتجاهل الجميع .
عمان عمانات !! يقول عبد الله , ويضيف , الهجرة أو الفقر ? يترنح الكلام , يتباطأ , ثم ينثعب حزينا : هل مكتوب علينا أن نموت مائة مرة كي نحيا واحدة ?
يا هملالي .ويبسم عامر .
يعم الصمت . مجرد القبض على لحظة عابرة تغدو أمنية كبيرة . وينطلق صوت عبد الله مرة اخرى :
“ما قلتُ حين وقفتُ تحت السرو للعينين كُفّا
فاض الحنين وخضّب الأجفان حين الدمع جفّا

ما بالُ “اربدَ”لا تُجاوب رغم طول البُعد الفا
وكأنه لم يشدُ في ساحاتها أو يحدُ خَشْفا

أين الظباءُ جفلْنَ ترغيبا ولم يجفلن خوفا
المترفات الذائباتُ هوىً ونمنمة ولطفا

هنّ الدوالي عتّقتْ قمصانها خمري المصفّى
غيري الذي شرب الطلا ممزوجة وشربتُ صرفا

مقالات ذات صلة

قالوا تجلّدْ ما وقوفك باكيا رسماً تعفّى
أو ما كفاك وقد طويتَ العمر تشبيبا ووصفا

طار الغراب وذا المشيبُ اليوم يزحف فيك زحفا
أي والذي اصطفَّ الملائكُ عنده صفّاً فصفّا

ما زادني الا انقياداً للهوى شيبي وضعفا
قالوا …..فرقَّ القلبُ من ذكر الحمى وهفا وشفّا

والصبُّ مفضوحٌ اذا ذُكر الحبيبُ وان تخفّى
وانا المغني ،والمغني ذاب انشاداً وعزفا

كم دقَّ باب الحب ليلاً يخطف اللذات خطفا
قد حُمّلَ العُشاقُ من هَمّ الهوى ما حُمّلوا فحملتُ ضعفا

وعبد يعشق المرحوم حبيب الزيودي , يحفظ جل شعره , ويستنطقه إذ فاض به الكيل والشوق والحنين والغياب , ويردف القصيدة بإختها , ولا يرتوي :
كُـلَّما طال بينَنَا الهجرُ جفَّتْ

من كؤوسِي الطِّلا, ومادت سُفُوحِي

مرّ في أضلعي الشتاء حزيناً

لابساً حزنُه ثيابَ المسيح

يحرق الوجدُ أغنياتي الحيارى

عندما تكتمين حبي, فبوحي

صوتك الحلو نرجسي, واشتعالي

ومُنى خاطري, وحِنّاء روحي

قمر الأمس مر بي اليوم كهلاً
دامي الطرف مثقلاً بالجروح

أنا لوّحت بالمناديل وحدي

عندما لم تلوِّحي, أو تلوحي

عاتباً مر لم يلوّح بكفٍ

يا حبيبي ولم يغازل سطوحي

ينظر الي الجميع بدهشة , تشتعل الذاكرة , ويزأر لهيبها , ويعوي جوعها , طيوف من صور قديمة , كانها قطوف دانية , عناقيد ذهب , تخطف النظر والفكر , برج الساعة , صالة الأندلس , أسطورة نصرت عبد الرحمن , واقعية هاشم ياغي , وإيديولوجية وليد سيف , سجائر علي بن تميم , وطلته الإماراتية الواثقة …. شتاءات أماسي الجامعة الأردنية . صفوف شجر الصنوبر , ورفوف السرو , والذاكرة الطازجة لما احتملته وما اختزنته ممن عبروا ذات مساء .تغرق مجموعة البدو في ليل عمان الغربية , تغوض تحت اضوائها , أطياف نحيفة تتدافع , ثقافة خجولة , ورغبة عميقة بالإياب…… وندخل بيت العزاء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى