من هنا أم من هناك
#يوسف_غيشان
التكرار يعلّم الشطار، وليس للحكمة والموعظة الحسنة حدود بين الثقافات، هي كالصواريخ البالستية عابرة للقارات. تقول #الحكاية الأورروبية المنشأ بأن الفلاح بوريدان أراد أن يوفر لحماره العزيز جميع الظروف المناسبة، لأنه رغب بالسفر إلى المدينة والغياب عنه أسبوعا كاملا. وضع #بوريدان حماره العزيز في #الاسطبل، ووفر له برميلا من الماء القراح، وترك له أمام البرميل كومتان كبيرتان: واحدة من تبن القمح الطازج، والثانية من تبن العدس الطازج، بحيث يأكل الحمار ما يريد، ثم يروي عطشه من برميل الماء.
ودع بوريدان حماره، وأغلق باب الإسطبل وسافر:
نظر الحمار بكل فرح إلى كومتي التبن الطازجتين، تشمم الأولى فشعر بأن عطر سنابل القمح وهي تداعب الهواء يتسلل إلى أنفه ويمنحه إحساسا قويا بالحيوية والنشاط. تشمم الثانية فأحس بأن بيادر العدس المائلة إلى الاخضرار تدعوه إلى أن يرتع منها هنيئا مريئا.
الكومتان رائعتان طازجتان، لكن من أين يبدأ: من سنابل القمح أم من بيادر العدس؟
- من هنا.
- لا من هناك.
- من هنا.
- من هناك.
هنا هناك…. هنا هناك…هناك هنا…. واستمرت هذه الحيرة عند حمار بوريدان حتى انتهى النهار، لكنه لم ينم، فقد كان جائعا ومحتارا من أين يبدأ الأكل.
وهذا ما حصل في اليوم الثاني والثالث والرابع …….!!
وحينما عاد الفلاح بوريدان من سفرته، وجد حماره العزيز وقد مات جوعا في المنطقة الفاصلة بين الكومتين.
تمر أكوام السنوات من أمامنا أو نمر نحن من أمامها – لا فرق-ونحن نعجز عن #التمييز و #الاختيار، ليس بين الأفضل والأفضل على طريقة حمار بوريدان، بل بين الأسوأ والأسوأ، في كل شي وفي جميع المجالات.
لست متشائما هنا، بل أعرض الحال – حالنا-لعلنا ندرك حجم الورطة التي أوقعنا أنفسنا فيها لعلنا نسعى للخروج منها.
وتلولحي يا دالية