من كل بستان زهرة – 86-
#ماجد_دودين
عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((جاء شيخٌ يريدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأبطأ القومُ أن يُوَسِّعوا له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ليس منَّا مَن لم يُوقِّرْ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا)). وفي روايةِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه: ((ويَعرِفُ شَرَفَ كَبيرِنا))، وهذا زَجرٌ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: ((ليس مِنَّا)) أي: ليس من أهلِ سُنَّتِنا وهَدْيِنا وطريقتِنا مَن لم يُوَقِّرِ الكبيرَ ويُعَظِّمْه، وهو شامِلٌ للشَّابِّ والشَّيخِ.
****************
قال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (تعلَمُ أنَّك لو طلَبْتَ مُنَزَّهًا عن كُلِّ عيبٍ اعتزَلْتَ عن الخَلقِ كافَّةً، ولن تجِدَ مَن تصاحِبُه أصلًا؛ فما من أحَدٍ من النَّاسِ إلَّا وله محاسِنُ ومَساوئُ، فإذا غلبَت المحاسِنُ المساوئَ فهو الغايةُ والمنتهى، فالمُؤمِنُ الكريمُ أبدًا يُحضِرُ في نفسِه محاسِنَ أخيه لينبَعِثَ من قَلبِه التَّوقيرُ والوُدُّ والاحترامُ، وأمَّا المُنافِقُ اللَّئيمُ فإنَّه أبدًا يلاحِظُ المساوئَ والعُيوبَ)
****************
تَعمَّدْني بنُصحِك في انفِرادي
وجَنِّبْني النَّصيحةَ في الجَماعَه
فإنَّ النُّصحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوعٌ
من التَّوبيخِ لا أرضى استِماعَه
وإن خالَفْتَني وعَصَيتَ أمري
فلا تجزَعْ إذا لم تُعْطَ طاعَه
****************
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أقبَل رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أبايعُك على الهِجرةِ والجِهادِ، أبتغي الأجرَ من اللهِ، قال: فهل من والِدَيك أحدٌ حَيٌّ؟ قال: نعَمْ، بل كِلاهما. قال: فتبتغي الأجرَ من اللهِ؟ قال: نعَمْ، قال: فارجِعْ إلى والِدَيك فأحسِنْ صُحبَتَهما))، أي: أحسِنْ إليهما وبَرَّهما، قال النَّوويُّ: (هذا دليلٌ لعِظَمِ فضيلةِ بِرِّهما).
****************
قال رجُلٌ ليُونُسَ بنِ عُبَيدٍ: أوصِني، فقال: (أوصيك بتقوى اللهِ والإحسانِ؛ فإنَّ اللهَ مع الذين اتَّقَوا والذين هم مُحسِنون)
****************
من يَغرِسِ الإحسانَ يَجْنِ محبَّةً دونَ المسيءِ المبعَدِ المصرومِ
أَقِلِ العِثارَ تُقَلْ ولا تحسُدْ ولا تحقِدْ فليس المرءُ بالمعصومِ
****************
قال أبو العتاهيةِ:
لا تمشِ في النَّاسِ إلَّا رحمةً لهم ولا تعامِلْهم إلَّا بإنصافِ
واقطَعْ قُوى كُلِّ حِقدٍ أنت مُضمِرُه إن زَلَّ ذو زَلَّةٍ أو إن هفا هافِ
وارغَبْ بنفسِك عمَّا لا صلاحَ له وأوسِعِ النَّاسَ مِن بِرٍّ وإلطافِ
وإن يكُنْ أحدٌ أولاك صالحةً فكافِهِ فوقَ ما أَولى بأضعافِ
ولا تكشِفْ مُسيئًا عن إساءتِه وصِلْ حِبالَ أخيك القاطِعِ الجافي
****************
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:”ليسَ الكَذَّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أوْ يقولُ خَيْرًا.”
الراوي: أم كلثوم بنت عقبة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري
حَثَّ الشَّرعُ الحَنيفُ على الإصلاحِ بيْن النَّاسِ ورغَّبَ فيه، حتَّى وإنْ تحقَّقَ ذلكَ بالكذِبِ؛ وذلك لِمَا يَعودُ بالمصْلَحةِ على المُتباغِضينَ والمُتخاصِمينَ، وإخمادِ رُوحِ العَداوةِ وإزالةِ الخُصوماتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه ليسَ الكذَّابُ المذمومُ المتحقَّقُ فيه الوعيدُ الذي يَقصِدُ بكَذِبِه الصُّلحَ بيْن النَّاسِ بالنَّصيحةِ الَّتي تَقْتضي الخيرَ، بلْ هذا مُحسِنٌ، «فيَنْمِي خَيرًا»، أي: فيَنقُلُ كَلامًا، «أو يَقولُ خَيرًا» للإصلاحِ بيْن المُتخاصِمَينِ؛ بأنْ يَقولَ لأحدِهِما: إنَّ صاحِبَهُ يَمدَحُهُ ويُثْنِي عليهِ -وَصاحبُه لم يَفعَلْ- وما أشبَهَ ذلك مِن الكَلِماتِ؛ فإنَّ ذلك لا بَأسَ به، وهذه أُمورٌ قد يُضطَرُّ الإنسانُ فيها إلى زِيادةِ القَولِ، ومُجاوَزةِ الصِّدقِ، على وَجهِ الإصلاحِ وطَلَبِ الخَيرِ.
والمرادُ بالكذِبِ إنَّما هو فيمَن لا يُسقِطُ حقًّا، أو يَتسبَّبُ في أخْذِ ما لَيس حقًّا لأحدِ الطَّرَفَين.
ومِثلُه: الكَذِبُ في الحَربِ؛ بأنْ يُظهِرَ في نَفْسِه قُوَّةً، ويَتحَدَّثَ بما يُقوِّي به أصحابَه ويَكيدُ عَدُوَّه. ومِثلُه أيضًا: الكَذِبُ لِلزَّوجةِ؛ بأنْ يُظهِرَ لها أكثَرَ مِمَّا في نَفْسِه؛ لِيَستَديمَ صُحبَتَها ويُصلِحَ به خُلُقَها.
وليس المرادُ في الحديثِ نَفْيَ ذاتِ الكَذِبِ، بلْ نَفْيُ إثمِه؛ فالكَذِبُ كَذِبٌ، سَواءٌ كان للإصلاحِ أو لِغَيرِه، وقدْ يُرَخَّصُ في بَعضِ الأوقاتِ في الفَسادِ القَليلِ الذي يُؤَمَّلُ فيه الصَّلاحُ الكثيرُ.
****************
قال الأوزاعيُّ: (ما خُطوةٌ أحَبَّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ مِن خُطوةٍ في إصلاحِ ذاتِ البَينِ، ومَن أصلَح بَينَ اثنَينِ كتَب اللهُ له براءةً مِن النَّارِ)
****************
قال أحمد سُحنون:
ولكنَّ ليلَ المُسلِمينَ سينجلي ونُمسي كما كنَّا لنا الفوزُ والسَّبقُ
ولسنا على يأسٍ نعيشُ وإنَّما على ثِقةٍ أنْ سوف ينتصِرُ الحقُّ
وإن فشِلَت كُلُّ الوسائِلِ في الذي نرومُ مِن الإصلاحِ لن يفشَلَ الصِّدقُ
****************
ممَّا جاء في حَضِّ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على الاعتِدالِ والوَسَطيَّةِ: عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ))، وهذا عامٌّ في جميعِ أنواعِ الغُلُوِّ في الاعتقاداتِ والأعمالِ.
****************
عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((خَطَّ لنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطًّا، ثمَّ قال: هذا سبيلُ اللَّهِ، ثمَّ خَطَّ خطوطًا عن يمينِه وعن شِمالِه، ثمَّ قال: هذه سُبُلٌ مُتفَرِّقةٌ، على كُلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه، ثمَّ قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) ، وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ سبيلَ اللَّهِ وَسَطٌ، ليس فيها تفريطٌ ولا إفراطٌ، وسَبيلُ أهلِ البِدَعِ ما يلي إلى جانِبٍ فيه تقصيرٌ أو غُلُوٌّ.
****************
قال ابنُ القَيِّمِ: (والدِّينُ كُلُّه بَيْنَ طَرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ، بل الإسلامُ قَصدٌ بَيْنَ المِلَلِ، والسُّنَّةُ قَصدٌ بَيْنَ البِدَعِ، ودينُ اللَّهِ بَيْنَ الغالي فيه والجافي عنه).
****************
لا تذهَبَنَّ في الأمورِ فَرَطَا
لا تسألَنَّ إن سأَلْتَ شَطَطَا
وكُنْ من النَّاسِ جميعًا وَسَطَا
****************
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يملِكُ نَفسَه عندَ الغَضَبِ)). قال ابنُ بَطَّالٍ: (الصُّرَعةُ: الذي يَصرَعُ النَّاسَ ويَكثُرُ منه ذلك، كما يقالُ للكثيرِ النَّومِ: نُوَمةٌ، وللكثيرِ الحِفظِ: حُفَظةٌ، فأراد عليه السَّلامُ أنَّ الذي يقوى على مَلْكِ نفسِه عند الغَضَبِ ويَرُدُّها عنه هو القَويُّ الشَّديدُ والنِّهايةُ في الشِّدَّةِ؛ لغَلَبتِه هواه المُرْدي الذي زَيَّنه له الشَّيطانُ المُغْوي، فدَلَّ هذا أنَّ مجاهدةَ النَّفسِ أشَدُّ من مجاهَدةِ العَدُوِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ جَعَل للذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضَبِ من القُوَّةِ والشِّدَّةِ ما ليس للذي يغلِبُ النَّاسَ ويَصرَعُهم).
****************
قال بعضُ البُلَغاءِ: (ما ذَبَّ عن الأعراضِ، كالصَّفحِ والإعراضِ).
****************
قال الشَّافِعيُّ:
قالوا: سَكَتَّ وقد خُوصِمْتَ قُلتُ لهم إنَّ الجوابَ لبابِ الشَّرِّ مِفتاحُ
والصَّمتُ عن جاهِلٍ أو أحمَقَ شَرَفٌ وفيه أيضًا لصَونِ العِرْضِ إصلاحُ
****************
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَجُلًا سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الإسلامِ خَيرٌ؟ قال: تُطعِمُ الطَّعامَ، وتقرَأُ السَّلامَ على من عرَفْتَ ومَن لم تَعرِفْ))، وهذا حَضٌّ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تأليفِ قُلوبِ المؤمِنين، وأنَّ أفضَلَ أخلاقِهم الإسلاميَّةِ أُلفةُ بعضِهم بعضًا، وتحبُّبُهم وتوادُّهم، واستجلابُ ما يؤكِّدُ ذلك بَينَهم بالقولِ والفِعلِ.
****************
قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إنَّ الرَّحِمَ تُقطَعُ، وإنَّ النِّعَمَ تُكفَرُ، ولم أرَ مِثلَ تقارُبِ القُلوبِ).
****************
تقديمَ الهَدِيَّةِ يَزيدُ من الأُلفةِ والمحبَّةِ، والتَّقارُبِ بَينَ المُهْدي والمَهدَى إليه.
وقد قيلَ:
إنَّ الهَدِيَّةَ حُلوةٌ كالسِّحرِ تجتَلِبُ القُلوبا
تُدني البغيضَ من الهَوى حتَّى تُصَيِّرَه قَريبَا
وتُعيدُ مُضطَغَنَ العَداوةِ بَعدَ نُفرتِه حبيبَا
****************
كانت العَرَبُ توصي بناتِها بما يوجِبُ الأُلفةَ، فتقولُ للواحِدةِ:(كُوني له أرضًا يكُنْ لك سماءً، وكُوني مِهادًا يكُنْ عِمادًا، وأَمَةً يَكُنْ عَبدًا، وفِراشًا يَكُنْ مَعاشًا، ولا تَقْرَبي فيَمَلَّكِ، ولا تَبْعُدي فيَنساكِ، ولا تُعاصيه شَهْوَتَه، وعليكِ بالنَّظافةِ، ولا يَرَ مِنكِ إلَّا حُسنًا، ولا يَشَمَّ إلَّا طِيبًا، ولا يَسمَعْ إلَّا ما يَرضى، ولا تُفْشي سِرَّه فتَسقُطي مِن عَينِه، ولا تَفْرَحي إذا غَضِبَ، ولا تَغْضَبي إذا فَرِحَ)
****************
عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (أخبرني أبو سفيانَ أنَّ هِرَقْلَ قال له: سألتُك ماذا يأمُرُكم -يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فزعَمْتَ أنَّه أمَركم بالصَّلاةِ والصِّدقِ والعَفافِ، والوَفاءِ بالعَهدِ وأداءِ الأمانةِ. قال: وهذه صِفةُ نبيٍّ). فمن صِفاتِ الأنبياءِ الأمانةُ وعَدَمُ الخيانةِ، وقد قال اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: 161]، فنفى اللهُ عزَّ وجَلَّ بذلك أن يكونَ الغُلولُ والخيانةُ من صفاتِ أنبيائِه؛ لأنَّ ذلك جُرمٌ عظيمٌ، والأنبياءُ لا تأتي مِثلَه.
****************
قال القاضي حُسَينٌ المَهديُّ: (إذا طلَبْتَ الخيرَ فاطْلُبْه في أداءِ الأمانةِ، وإذا عمِلْتَ البِرَّ فتحَرَّ فيه أداءَ الأمانةِ، وإذا أردتَ العِزَّ فالزَمْ في سُلوكِك الأمانةَ، وأدِّ في مسئوليَّتِك الأمانةَ، وتعامَلْ مع أهلِ الصِّدقِ والأمانةِ تَفُزْ بفَضلِ اللهِ ورِضوانِه)
****************
قال صالِحُ بنُ عبدِ القُدُّوسِ:
وارْعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتَنِبْ واعدِلْ ولا تَظلِمْ، يَطِبْ لك مَكسَبُ
وإذا بُلِيتَ بنَكبةٍ فاصبِرْ لها مَن ذا رأيتَ مُسَلَّمًا لا يُنكَبُ
****************
مِن وصايا لُقمانَ لابنِه: (يا بُنيَّ، زاحِمِ العُلماءَ برُكبتَيك، وأنصِتْ إليهم بأُذُنَيك؛ فإنَّ القلبَ يحيا بنورِ العُلماءِ كما تحيا الأرضُ الميِّتةُ بمطرِ السَّماءِ).
****************
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقةِ أعظَمُ أجرًا؟ قال: أن تَصَدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفَقرَ وتأمُلُ الغِنى، ولا تمهِلْ حتَّى إذا بلَغَتِ الحُلقومَ قُلتَ: لفُلانٍ كذا، ولفُلانٍ كذا، وقد كان لفُلانٍ!)).
قال ابنُ بَطَّالٍ: (فيه أنَّ أعمالَ البِرِّ كُلَّما صَعُبت كان أجرُها أعظَمَ؛ لأنَّ الصَّحيحَ الشَّحيحَ إذا خَشِيَ الفَقرَ وأمَلَ الغِنى، صَعُبَت عليه النَّفَقةُ، وسوَّل له الشَّيطانُ طُولَ العُمُرِ، وحُلولَ الفَقرِ به، فمَن تصَدَّقَ في هذه الحالِ فهو مُؤثِرٌ لثوابِ اللهِ على هوى نَفسِه، وأمَّا إذا تصَدَّق عندَ خُروجِ نَفْسِه، فيُخشى عليه الضِّرارُ بميراثِه، والجَورُ في فِعْلِه). (والحاصِلُ: أنَّ العَمَلَ تفاضَلَ بمقدارِ ما دَلَّ عليه من إيثارِ العامِلِ نَفْعَ غيرِه وإرضاءَ رَبِّه على منفعةِ نفسِه)
****************
قال أبو سُلَيمانَ الدَّارنيُّ: (لو أنَّ الدُّنيا كُلَّها لي فجعَلْتُها في فمِ أخٍ من إخواني، لاستقلَلْتُها له!).
****************
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثمَّ مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثمَّ مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثمَّ مَن؟ قال: أبوك)).
في هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ محبَّةَ الأمِّ والشَّفَقةَ عليها ينبغي أن تكونَ ثلاثةَ أمثالِ محبَّةِ الأبِ؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كرَّر الأمَّ ثلاثَ مرَّاتٍ، وذكَر الأبَ في المرَّةِ الرَّابعةِ فقط، وإذا تُؤُمِّلَ هذا المعنى شَهِد له العِيانُ، وذلك أنَّ صُعوبةَ الحَملِ، وصعوبةَ الوَضعِ، وصُعوبةَ الرَّضاعِ: تنفَرِدُ بها الأمُّ، وتشقى بها دونَ الأبِ فهذه ثلاثُ منازِلَ يخلو منها الأبُ.
قال ابنُ حَجَرٍ: (وقد وقَعَت الإشارةُ إلى ذلك في قَولِه تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان: 14]، فسوَّى بينهما في الوصايةِ، وخَصَّ الأمَّ بالأمورِ الثَّلاثةِ).
وقال القُرطبيُّ: (وقولُه: «أمُّك» ثلاثَ مرَّاتٍ، وفي الرَّابعةِ: «أبوك» يدُلُّ على صِحَّةِ قولِ من قال: إنَّ للأمِّ ثلاثةَ أرباعِ البِرِّ، وللأبِ رُبُعُه، ومعنى ذلك: أنَّ حَقَّهما -وإن كان واجِبًا- فالأمُّ تستَحِقُّ الحَظَّ الأوفَرَ من ذلك، وفائدةُ ذلك المبالغةُ في القيامِ بحَقِّ الأمِّ، وأنَّ حَقَّها مُقَدَّمٌ عند تزاحُمِ حَقِّها وحَقِّه).
ومذهبُ الجُمهورِ أنَّ الأمَّ تفضُلُ في البِرِّ على الأبِ.
****************
قال أبو الدَّرداءِ: (اعبُدوا اللهَ كأنَّكم ترونَه، وعُدُّوا أنفُسَكم في الموتى، واعلَموا أنَّ قليلًا يُغنيكم خيرٌ من كثيرٍ يُلهيكم، واعلَموا أنَّ البِرَّ لا يبلى، وأنَّ الإثمَ لا يُنسى
****************
قال ابنُ المقَفَّعِ: (من أفضَلِ البِرِّ ثلاثُ خِصالٍ: الصِّدقُ في الغَضَبِ، والجودُ في العُسرةِ، والعَفوُ عند القُدرةِ)
****************
وقال أبو العتاهيةِ:
وإنَّ امرَأً لم يَرتَجِ النَّاسُ نَفْعَه ولم يأمَنوا منه الأذى لَلَئيمُ
وإنَّ امرَأً لم يجعَلِ البِرَّ كَنْزَه ولو كانت الدُّنيا له لعَديمُ
************