من توم أند جيري إلى لافروف أند كيري!
د . فيصل القاسم
من كثرة ما التقى وزير الخارجية الروسي الحالي سيرجي لافروف بجون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في عهد أوباما أصبح هذا الثنائي أشبه بتوم أند جيري بطلي المسلسل الكرتوني الشهير، إلى حد أن البعض قال ذات يوم ساخراً” ونحن صغار كنا نشاهد توم أند جيري، وعندما كبرنا صرنا نشاهد لافروف أند كيري”.
لكن على عكس توم أند جيري اللذين ارتبطا في أذهان العالم بالصراع الأبدي بين القط والفأر، فإن الجميع كان ينظر إلى لافروف وكيري نظرة ريبة وشك، فعلى الرغم من أنهما يمثلان قوتين متصارعتين نظرياً، إلا أنهما كانا في نظر الكثيرين نسخة عن الثنائي الفرنسي البريطاني الشهير سايكس وبيكو اللذين قسّما العالم العربي إلى اثنتين وعشرين دولة عبر الاتفاقية التاريخية الشهيرة المعروفة باسميهما.
الجميع تفاجأ بوصول القوات السورية وحلفائها إلى دير الزور. وبذلك إذا سقطت المدينة في أيدي الروس وحلفائهم، فهذا يعني سقوط فكرة سوريا المفيدة التي كانت تعني عملياً تقسيم سوريا بين القوى المتصارعة
وقد شك الكثيرون بأن الروس والأمريكيين رغم صراعهما على مناطق النفوذ في العالم، إلا أنهما كانا متفقين على تقاسم النفوذ بسلاسة فيما بينهما في سوريا تحديداً. وقد كان مؤيدو النظام السوري نفسه المتحالفون مع الروس يخشون من ذلك الثنائي الخطير كيري-لافروف، وكان بعضهم يعتقد أنهما يتآمرآن على تقسيم سوريا وغيرها في المنطقة، لا بل إن كثيرين كانوا يعتبرون كيري ولافروف بأنهما أخطر من سايكس وبيكو، لأنهما سيعيدان تقسيم العالم العربي ليس إلى دول كما فعل سايكس وبيكو البريطاني والفرنسي، بل إلى دويلات وأقاليم وطوائف وملل متناحرة.
أتذكر ذات مرة في محادثة مع أحد مؤيدي النظام السوري أنه قال لي حرفياً “انتظر ذات يوم تطبيق اتفاق كيري لافروف على الأرض السورية، وعندها سنكتشف أن الروس كانوا متواطئين مع الأمريكيين والإسرائيليين على سوريا وليسوا متحالفين معنا كما يبدون الآن.”
لكن الآن وبعد بدأت أمريكا تخرج من المنطقة شيئاً فشيئاً، يبدو أن اتفاق كيري لافروف كان في واقع الأمر كذبة كبيرة، وكان مظهراً من مظاهر نظرية المؤامرة التي تعشعش في أذهان الكثير من السوريين والعرب. ومن الواضح أن التحالف الدولي الذي شكلته أمريكا من أكثر من ستين دولة لمحاربة داعش في سوريا كان يهدف إلى مساعدة الروس والإيرانيين والنظام السوري على إعادة إحكام السيطرة على سوريا بدل تقاسم النفوذ مع الروس.
وقد بدأنا نكتشف في الأيام الأخيرة أن فكرة سوريا المفيدة بدأت تتلاشى بعد أن بات الروس والإيرانيون وقوات النظام السوري تسيطر على المدن الواحدة تلو الأخرى. لقد ظن البعض أن مدينة دير الزور التي تشكل جزءاً مهماً من الشرق السوري ستكون من نصيب أمريكا كونها غنية بالنفط والغاز.
اتفاق كيري لافروف الذي ظن البعض أنه يهدف إلى تقسيم سوريا كان وهماً، بدليل أن الروس يريدون السيطرة مع النظام على كامل الأرض السورية
لكن الجميع تفاجأ بوصول القوات السورية وحلفائها على حين غرة إلى دير الزور. وبذلك إذا سقطت المدينة في أيدي الروس وحلفائهم، فهذا يعني سقوط فكرة سوريا المفيدة التي كانت تعني عملياً تقسيم سوريا بين القوى المتصارعة عليها. وحتى مدينة الرقة فيما لو انتزعتها القوات الكردية من أيدي الدواعش، فلن تكون من نصيب الأمريكيين ولا الأكراد، لأن الروس وقوات النظام والإيرانيين يبدون مصممين على القضاء على الميليشيات الكردية بعد الانتهاء من داعش.
وقد شاهدنا في الأيام الماضية أن الطيران الروسي استهدف ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية الكردية حسب الاتهامات الأمريكية. وهذا يعني أن اتفاق كيري لافروف الذي ظن البعض أنه يهدف إلى تقسيم سوريا كان وهماً، بدليل أن الروس يريدون السيطرة مع النظام على كامل الأرض السورية، لا بل إنهم أبدوا معارضة واضحة للاستفتاء الكردي في كردستان العراق.
وقد طالب بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إسرائيل بالتوقف عن دعم الانفصال الكردي وتأييد الحقوق الكردية في سوريا والعراق، واتهمها بالنفاق قائلاً “أليس من الأفضل أن تعطوا الفلسطينيين حقوقهم في فلسطين بدل دعم الحقوق الكردية في العراق وسوريا؟”
هذه التصريحات والمواقف الروسية على الأرض تنسف اتفاق كيري لافروف تمامأ وتجعله في مهب الريح، هذا إذا كان موجوداً أصلاً