ملاحظات على المؤتمر الصحفي لوزير التربية
تابعت على الهواء مباشرة معظم المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير التربية والتعليم بوجود وإدارة وزير الإعلام، وثمة ملاحظات جديرة بالذكر من خلال متابعتي:
أولاً: أشهد لوزير التربية بالذكاء، واستطاعته إدارة النار إلى قرصه، وقدرته على المحاججة والتبرير، وعرض ما يُعزز موقفه، والتغاضي عما يدينه.
ثانياً: ربما لم أقتنع بكلام الوزير من الأمثلة التي ذكرها، لعدم وجود الكتب التي ذكرها بين يدي، فلا أستطيع أن أؤيد أو أكذب. ولكن أعترف أني تأثرت من كلامه خاصة وأنه استشهد بآيات قرآنية كثيرة في حديثه، وأظن أن معظم الحضور زادتهم الآيات قناعة وتأثراً. وهذا التأثير ينسحب على الكتب المدرسية لو وظفت الآيات القرآنية في أمثلة اللغة العربية وقواعدها وكتب التربية المدنية والاجتماعية.
ثالثاً: الوزير دافع عن زميله العناني عندما صرح أن المناهج تحفز على الإرهاب، وأن من حقه أن يعبر عن رأيه الشخصي، ولكنه في الوقت نفسه أكد أنه هو الوحيد المخول رسمياً بأي تصريح يتعلق بالمناهج، وهذا تأنيب مبطن للعناني، يشكر عليه وزير التربية. مع التأكيد أن رأي العناني ليس رأياً شخصياً، فاللقاءكان معه باعتباره نائباً لرئيس الوزراء، وليس جواد العناني، أي أن كل ما يتفوه به، يعبر عن وجهة نظر الحكومة الأردنية.
رابعاً: الوزير نفي أي تمويل أجنبي بشأن المناهج دخل (حساب وزارة التربية)، وأنا شخصياً أصدقه.
خامساً: الوزير نفي أي تدخل خارجي بالمناهج، وأكد أن كل ما تم (بأيدٍ أردنية)، أعيد (بأيدٍ أردنية).
سادساً: الوزير عرض أن كل كتاب للغة العربية يحتوي نص قرآني كأول درس في كل صف، وكأنه يمنُّ على الله بهذا. لا أحد يطالب بدروس قرآنية منفصلة، ولكن المطلوب أن توظف الآيات في الأمثلة اللغوية والبيانية وأنشطة اللغة العربية المختلفة، تماماً كما يستشهد بالشعر وأقوال العظماء، فهذا أدعى للفهم والإدراك، ويحقق عدة أهداف دفعةواحدة.
سابعاً: تجاهل الوزير ذكر أمثلة على تقصد حذف الآيات والرموز الدينية، و في دفاعه عن ذلك قال إن الكتاب وضع ليغطي 17 جانباً، ولا يعقل أن يقتصر على جانب واحد. والوزير بهذا الفهم –وليعذرني- يقزم القرآن الكريم، ويحصره في زاوية واحدة، فالقرآن نهج حياة، وليس نصاً تعبدياً فحسب، فهو للعبادة وللقيم والأخلاق وللغة والبيان والعظة والقصة والتاريخ والعلوم والتفكر والتدبر والحكم والسياسة والعلاقات و… مما يمكن توظيفه في كثير من المباحث.
ثامناً: قال الوزير أن العدد في القرآن ليس معجزاً في تبريره لحذف درس العدد في القرآن، وقال إن إعجاز القرآن في لغته. ومع أني لا أوافق الوزير ، فإن إعجاز القرآن أبعد من اللغة، إلا أنه أدان نفسه بنفسه، فإذا كان إعجازه لغوياً فلم لا يُوظف بشكل مناسب في اللغة بما يتفق وإعجازه وتفرده اللغوي؟؟
تاسعاً: الوزير علق شماعة بعض الملاحظات على أن النسخة تجريبية، ولكن هذا لا يعني أن تكون النسخة التجريبية مشوهة، والأصل أن تكون الطبعة التجريبية محدودة، وتطبق على عينة عشوائية من المدارس، حتى لا تتوسع الأخطاء وتُشاع بين الناس.
عاشراً: اتهم الوزيران المعارضين بأن لهم حساباتهم ومصالحهم وأجنداتهم، وأن بعضهم له ملفات فساد وقضايا في المحاكم، وهذا تسطيح للمشكلة، وهروب من حل الأزمة. وهو نوع من الإقصاء ونفي الآخر. فمعظم المعارضين مخلصون غيورون على دينهم تحركهم قلوب نظيفة لا أجندات ولا مصالح.
حادي عشر: الوزير شخصن المشكلة، وأنها تتقصد نجاحات وزارة التربية (يقصد نفسه) ولا تريد لها أن تستمر. وهذا مخالف للحقيقة والواقع، فالأمر يتعلق بمشكلة حدثت في عهده، وهو من يتحمل مسؤوليتها، وهو قد اعترف جزئياً بأن هناك أخطاء وملاحظات، فالأمر إذاً نسبي، ولكل وجهة نظر، ويجب أن تُحترم.
ثاني عشر: الوزير يستخف بمواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ليس في صالحه، ولا يتفق وروح العصر، فمواقع التواصل الاجتماعي أبعد أثراً وتأثيراً من كل الصحف الورقية والإلكترونية، والكلمة الفصل لها في النهاية، لأنها تعبر عن الشباب والمهمشين وجموع الشعب. ولو صدقه من حوله، لعقد مؤتمراً صحفياً لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ثالث عشر: مع احترامنا للجنة تدقيق المناهج وذواتهم، إلا أنها لا تصلح حكماً وفيصلاً في الأزمة، كونها لجنة محل اتهام لأنها جزء من المشكلة، فجميع أعضائها أعضاء في لجان الإشراف على الكتب أو مستشاري تأليف، وهم منتفعون مالياً وأدبياً، والكتب محل الخلاف هم من أقروها، فكيف يصلح أن يُحكموا في أمر لهم علاقة به، وهم أدرى الناس أن عضويتهم باطلة لا تصح.
رابع عشر: بعض الصحفيين في المؤتمر الصحفي يسيئون إلى الصحافة بانحيازهم وتحريضهم للوزير على المعارضين، ناهيك عن المديح المجاني دون مناسبة، والأصل أن يكون الصحفي محايداً ينقل الأخبار بموضوعية دون تحيز، ولا يكون سوطاً لأحد على أحد.
وأخيراً… لو كنت مكان وزير التربية، لدعوت إلى اجتماع مع أطراف الأزمة والمهتمين بالموضوع، للحوار وعرض كل طرف حجته وأدلته واعتراضاته، ولا يخرجوا من الاجتماع إلا بالتفاهم والاتفاق على أمر جامع، ينزع فتيل الأزمة، ويعيد المياه إلى مجاريها، أما التهديد بسيف القانون ولكل حادث حديث، فهو سلوك السطوة لا الحكمة، وتصرف ضعيف الحجة لا الواثق من نفسه وسلامة موقفه.