مقاتل كردي نرويجي ضد داعش … هكذا يأتي التمويل

سواليف

نجحت أسرة مايك في الوصول إلى النرويج كلاجئين كرد من النظام العراقي في الثمانينات، هرباً من أهوال نظام صدام حسين.
التحق هذا الجندي، بعدما صار شاباً، بالقوات المسلحة النرويجية وهو الآن في أوائل الثلاثينات من عمره، ويخدم في وحدة نخبة المشاة الآلية وأنهى مؤخراً جولته في أفغانستان.

ولكن بحلول أغسطس/ أب 2014، تمكنت داعش من السيطرة على سنجار في العراق، وعندها قرر مايك الانضمام إلى البشمركة – قوات الجيش المستقل بكردستان العراق.

سنجار هي مكان نشوب أعمال داعش الوحشية – بداية من قتل 5000 رجل يزيدي إضافة إلى الاغتصاب المنظم للنساء والأطفال وبيعهم – وظهور تلك الأعمال في عناوين الأخبار الرئيسية.

قال مايك في حديثه إلى صحيفة بيزنس إنسايدر “كان ذلك له وقعه السيء عليَّ، ولكن الأسوأ كان غياب تحرك المجتمع الدولي، بما فيه حكومة بلدي أنا شخصياً. فقررت أنه ليس باستطاعتي البقاء ساكناً بينما أشاهد حدوث تلك الأهوال”.

العودة للجذور

يعود مايك الآن إلى نفس البلد التي فر منها والداه منذ عشرات السنين ليحارب ميليشيات داعش تحت علم الأكراد وشعارهم “هؤلاء الذين يواجهون الموت”.

لكن البداية أو مجرد حمل سلاح وإطلاق النار لم يكن سهلاً، فلم يكن العديد من مقاتلي الكرد مدربين للقتال بشكل ملائم، إذ يحصل السكان المحليون، بمجرد قدومهم من الحياة المدنية، على زي رسمي وبندقية، قبل إخبارهم بالتوجه لتحصين الصفوف الأمامية.

حاول بعض المتطوعين مع مايك من كندا وبريطانيا والنرويج وأستراليا تعليم هؤلاء المقاتلين مهارات سلاح المشاة وإرشادهم إلى أي من المهارات التي تعلموها في مجالاتهم السابقة، مثل التدريب الطبي.

ولكن لا يكفيك أن تؤمن فقط بقضية الكرد أو أن تمتلك بعض المهارات من أجل الالتحاق بقوات البشمركة. فلم يكن يرغب مايك في مساعدة هؤلاء الذين يرغبون في الانضمام إلى القتال من أجل قضيته، لأسباب عديدة، من ضمنها الضغط الواقع من دول عدة.

ذكر مايك “سيبدو الأمر سيئاً إن كان الجنود الأميركيون هم من يقاتلون في أغلب أرض المعركة، بينما تقاوم القوات الأميركية نفسها إرسال جنودها”.

كما أضاف “هؤلاء الذين ينتهي بهم المطاف إلى العراق، يُمركَزون في صفوف غير نشطة بعيداً عن المخاطر، إلى أن يصيبهم الملل ويتركون البلاد مفلسين ومكتئبين”.

يُستثنى الجندي في حالة إظهاره نوعاً مختلفاً من المعرفة أو المهارات. “يوجد بعض المتطوعين هنا المسموح لهم بالمكوث في الصفوف النشطة، وفي بعض الحالات النادرة، يُسمح لهم بالمشاركة في العمليات الهجومية أيضاً”.

التمويل

هذه ليست نهاية التحديات. كونه متطوعاً في وحدة المتطوعين، فإنه لا يحصل على راتب من الحكومة الكردية أو العراقية، بل يعتمد بالكامل على تبرعات متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتمويل أسلحته وذخيرته.

قال مايك “لدي داعمين عظماء وأستطيع شراء عُدة وطعام ووقود لوحدتي إضافة إلى التكفل بإقامتي هنا. نحن نحصل على دعم ضئيل من الحكومة، لكن “بطريقة ما نستطيع التعايش”.

سلاحه المفضل

سلاحه المفضل رشاش MG-42 قديم يرجع تاريخه إلى الحرب العالمية الثانية، ولكن عندما يخرب، وهو ما يحدث كثيراً، يلجأ إلى سلاحه المجرب M-16.

وكانت أول عدسة له من طراز Advanced Combat Optical Gunsights (ACOG) على سلاحه كانت مغشوشة وعديمة الفائدة – واستطاع بمساعدة متابعيه استبدالها بأخرى جيدة.

إذا أخذنا في الاعتبار تكلفة قتاله عندما يصبح وضعه المالي متأزماً -تشتري 100 دولار 120 دورة لبندقيته، بينما تشتري 65 دولاراً 50 رصاصة لمسدسه- فإنه يعتمد على الذخيرة والأسلحة الثقيلة التي يحصل عليها من قتلى محاربين داعش.

الهجوم الكبير

أحد الأمثلة على ذلك كانت إفشال هجوم كبير من داعش بجوار سد في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق. قرر مايك ووحدته القيادة ليلًا لدعم قوات البشمركة المحلية، بعدما وصلتهم أخبار بأن الداعشين يشنون هجوماً على وحدة صديقة. وهجمت مليشيات داعش بالفعل بكل قوتها في ساعات الصباح الباكر.

شرح مايك “حاربنا 8 ساعات متواصلة وفقدنا رجلاً واحداً، ولكننا حاربناهم وقتلنا منهم العشرات أو ما يقرب من ذلك”. وأضاف “قالوا لنا بعد ذلك إن داعش كانت غالباً ستخترق الصفوف لو [لم نكن هناك]”.

مثل كثير من الحروب، لدى مايك نصيبه من اللحظات المفزعة. وصف مايك المعركة المرعبة التي عاصرها عندما شنت داعش إحدى هجماتها المميتة منذ عام – نفس المعركة التي أنهت حياة محارب الأسطول الأميركي تشارلز كيتينج الرابع.
وصفت فيما بعد قوات المهام المشتركة الأمريكية (CJTF) هذه المعركة بأنها كانت “معركة كبيرة، احد أكبر المعارك التي شاهدناها مؤخراً”.

هجوم داعش

“استطاعت داعش اختراق الصفوف والسيطرة على مدينة قريبة عندما اندلع الفزع بين بعض القوات المحلية. هجرت الوحدات التي تحرس جانبنا الأيمن مواقعها وحاولوا إقناع وحدتي بالهرب معهم..”.
“في محاولة يائسة لإرجاعهم إلى أماكنهم، قررت الجري لتحصين أحد مواقعهم المحصنة بنفسي. ولخيبة أملي، انتهى بي الأمر راكضاً عدة مئات من الأمتار لأصل إلى المكان وحدي.. مكثت في هذا المكان تقريباً 20 دقيقة ورأيت داعش تخترق الصفوف بـ50 مركبة وعدة مئات من الرجال”.

“توقعت أن يخترقوا الصفوف تجاهي وأنه سيكون علي مواجهتهم وحدي – ولم يكن هذا بالتأكيد شعوراً طيباً. لحسن الحظ، وصلت الإمدادات بعد ذلك بقليل واستطعنا وقف تقدمهم في هذا المكان الحصين”.

إلى جانب نيران مدافع الهاون ومناوشات داعش، فلا يبدو أن أكبر تحدٍ أمام مايك ووحدته ينبع من نقص معدات وحدته أو من قدرات داعش القتالية، بل من الروتين الحكومي البيروقراطي الذي يحيط بمنطقة عملياته.

شرح مايك لبيزنس إنسيدر أنه يوجد أزمة في الأمام، إذ إن وحدته تستطيع التقدم فقط عبر قرى ومدن قليلة قبل أن يتوجب عليهم انتظار الجيش العراقي لدعم مكانه. يقول إنه يلجأ إلى تضييع الوقت على هاتفه، أثناء ذلك الانتظار.

يستمر نشر القوات عند مايك مدة 3 أشهر، بعدما كانت 6 شهور من قبل. “أول توزيع أرهقني نفسياً وجسدياً. وتعلمت الدرس بعدها”.
يقضي، بعد التناوب، حوالي شهراً في أوروبا، في الغالب مع صديقته، وهي مذكورة أيضاً كثيراً على حسابه على انستجرام.

صديقته

قال مايك “أستطيع التعايش مع فقر العيش، ونقص الغذاء والنوم، وتهديد العدو المستمر، لكن البعد عن صديقتي لشهور متتابعة هو بالتأكيد أكبر تحد أواجهه”.

ولكن ليست فقط صديقته التي تشعر بهمه.

“عائلتي كلها تعرف أنني متطوع.. وهم ليسوا مشجعين لقراري هذا. حاولوا إقناعي بعكس ذلك مرات عديدة، ولكني اتخذت قراري – إنني لن أعود إلى بلدي قبل تحرير الموصل”.

أما بخصوص الأهداف، يضع مايك وقوات المهام المشتركة الأميركية ناظرهم على الموصل.
لقد قُضيَ شهور كثيرة على بناء خطة ليس فقط لتحرير الموصل، التي تعتبر أحد معاقل داعش القليلة الباقية في العراق، من أيدي داعش بل لمنع الجهاديين من العودة مرة أخرى.

ذكر مايك “كان هدفي الاشتراك في عمليات الموصل منذ 2014 – ولكن كي أكون صادقاً، ظننت أننا سنكون قد حررناها بنهاية السنة الماضية (2015)”. “أجَّل سقوط الرمادي العملية، ولكني لم أفقد رؤية هدفي. أصبحت الموصل هدفي الأكبر”.

رغم أن مسؤولين بالجيش العراقي قدروا بأن الموصل ستتحرر بنهاية عام 2016، فإن مستقبل المدينة يظل مجهولاً. لا تزال الخلايا النائمة موجودة في المدن المحررة سابقاً، مما يشير إلى تهديد مؤكد، كما تفرض استمرار الطائفية في العراق خطورة عزل واحد من ضمن طوائف عدة في المنطقة.

أين سيذهب؟

ومن المجهول أيضاً مستقبل مايك بمجرد طرد داعش من المدينة.

شرح قائلاً “في أفضل الأحوال أود الرجوع إلى وحدة جيشي القديمة، ولكني فقدت موافقتي الأمنية نتيجة خدمتي مع البشمركة. لن أتمكن من الانضمام إلى القوات المسلحة النرويجية مرة أخرى، ولكني متأكد أني سأكون بخير بطريقة ما”.

حتى ذلك الحين، يستمر مايك مع وحدته الكردية في الصفوف الأمامية، ملتزماً بطرد داعش. أنهى اللقاء برسالة قوية ضد قوات داعش:

أوضح مايك “هجمات مدافع الهاون وصواريخكم لا تؤثر في أحد، صَعّدوا لعبتكم وتعالوا هاجمونا بأنفسكم – تعرفون أين تجدونا”.

هافنغتون بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى