#مفاتيح #السعادة -(2) – معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماجد دودين
الأخوات الكريمات والإخوة الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أستكمل الحديث عن مفتاح السعادة الأول – معرفة الله جلّ وعلا وتقدّس- ثم أنتقل للحديث عن مفتاح السعادة الثاني وهو معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
العجب كل العجب أن يجْهل الإنسان عظمة الله وقدرة الله … العجب كل العجب أن يجهل الإنسان واجب الوجود ونور السماوات والأرض … الواحد الأحد … الفرد الصمد … الذي لا يشغله شاغل ولا يعجزه سائل …
الذي جلّت قدرته وعظُمت حكمته …من لا تأخذه سِنة ولا نوم …من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار …
من وسع سمعه الأصوات … من بغير عمدٍ نراها رفع السماوات … من يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء …
من يكورُ النهار على الليل … ويكور الليل على النهار …من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى والذي أخرج المرعى …الذي على العرش استوى …الذي ليس كمثله شيء.
أَيُجهل الله؟! كلا والله … ولكن: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمنه سبحانه وتعالى عمّا يشركون ” الزمر 67 .
قال الإمام علي رضي الله عنه: من جمع ست خصالٍ لم يدَعْ للجنة مطلباً ولا عن النار مهرباً:
من عرف الله فأطاعه وعرف الشيطان فعصاه
وعرف الحق فاتّبعه وعرف الباطل فاتّقاه
وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها
وقال رجل لطاووس: أوصني. قال: أوصيك أن تحب الله حباً حتى لا يكون شيء أحبَّ إليك منه، وخفْه خوفاً حتى لا يكون شيء أخوف إليك منه … وارجُ الله رجاءً يحول بينك وبين ذلك الخوف وأرض للناس ما ترضى لنفسك. “
إلهي لا يطيب الليل إلا بمناجاتك ولا يطيب النهار إلا بطاعتك
ولا تطيب الدنيا إلا بذكرك ولا تطيب الآخرة إلا بعفوك
ولا تطيب الجنة إلا برؤيتك فاجعلنا ممن يناجونك ويأنسون بك ويطيعونك ويذكرونك وينعمون بعفوك وبوجوده ناضرة ينظرون إلى نور وجهك برحمتك وعفوك وكرمك يا رحيم يا عفّو يا كريم يا ربنا … يا رب العرش العظيم.
والآن أنتقل إلى الحديث عن المعرفة الثانية والتي هي كذلك من مفاتيح الفوز والنجاح والفلاح ألاّ وهي معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم …
محمد عليه السلام هو النور الوافد …
صاحب الرسالة العظمى إلى خلق الله قاطبة …
ملتقى الفضائل المشرقة ومظهر المثل العليا …
المبعوث رحمة للعالمين … صاحب الخلق العظيم …
الذي صاغ الإنسان من جديدٍ ليكون أثمن درّةٍ في عقد فريد … لقد كان الإنسان ميتاً فأحياه الله عز وجل ببعث الأسوة الحسنة… ببعث السراج المنير … والهادي البشير … والرحمة المُهداة … والنعمة المُزجاة … ببعث محمد صلى الله عليه وسلم …. وفي غمرة النور الوافد بين يدي خير وافد صحا النائم يوماً ورأى النور فما أغفى … ولكنه انتفض عملاقاً جديداً يبني الحياة من جديد … وتحولت الخطوات المرتعشة الواجفة على حصباء مكة حركة تغمر الوجود كله بالنور والبركة … والعربي النافر من الحق كالغزال الشارد تحكمه من دين الله ضوابط فإذا هو فارس يمتطي صهوة جواده يمزّق البساط الناعم ويمزق معه قيماً زائفة ويصرخ بكلمات خالدة:
“الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد … ومن جوْر الأديان إلى عدْل الإسلام … ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة “. هذه الكلمات كانت بمثابة القنابل والصواريخ والقاذفات والمتفجّرات … فجّرها ربعي العربي الأعرابي المؤمن … الفقير في جيبه لكنّه الغني في قلبه وعقله وروحه ووجدانه … فجرها في وجه رستم قائد جيوش الفرس، وصاحب تاج الذهب وصاحب كرسي الذهب وصاحب سرير الذهب ليقول له : ” ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ” فلقد تربى ربعي على العزة في مدرسة النبوة التي تربط المؤمن بالله العزيز … وتأمّل كيف يخاطب ربعي الجندي الذي يرتدي أسمالاً بالية لا تكاد تستر جسده ، يخاطب رستم قائد جيوش الفرس الجرارة ويقول له :” أريد أن أُخْرجكَ من الضيق الذي تعيش فيه إلى السعادة والسعة وكأني بربعي يصحّح مفاهيم رستم ويقول له : أنت يا رستم رغم منصبك وعرشك وتاجك وذهبك ومتاعك وأثاثك ورياشك في ضيق وأنا رغم الفقر والقلة وضيق ذات اليد في سعادة وسرور وسعة لأن السعادة والسعة لا تكون إلا بالإيمان وطاعة الرحمان … نعم … في غمرة النور الوافد ولدت الآمال … وبُعثت كوامن المشاعر …
مسّت يد النبي صلى الله عليه وسلم … اليد الطاهرة الحانية المباركة … مسّت العرب أصحاب الخصومات والنزاعات والتنافر فأحالت الفوضى نظاماً والأحقاد محبة والخصومات مودة … وارتفعت بعقول العرب ومشاعرهم وأخلاقهم وتصوراتهم إلى درجة أصبحوا بها معلمي البشرية وأساتذة الأجيال … فقادوا الأمم بعد أن كانوا رعاة للغنم!
لقد وجد الإنسان ذاته الضائعة … العربي الذي لم يكن يعرف إلاّ الجمل والجبل والنخل والسهل والجهل أصبح يعرف كُنْهَ الحياة وأسرار الوجود … وارتفع بعقله وروحه وقلبه ووجدانه يرنو إلى السماء …
وجد نفسه … وما أروع أن يجد الإنسان نفسه الضائعة في متاهات الحياة بين وهج المصباح ورنين الأقداح والراح … إنّ من يعيد إليك ذاتك لا تملك الوفاء بحقه ولو قدمت ملء الأرض ذهباً … وذلك هو الرسول الكريم الرحيم العظيم صلى الله عليه وسلم.
ويعجبني ذلك الأعرابي الذي أضاع بعيره وراح ينادي في الطرقات من يردّه لي فله بعيران!
فقيل له في دهشة واستهجان واستغراب: واحد باثنين؟! بعير ببعيرين؟ كيف يكون هذا؟!
قال لهم: أنتم لا تعرفون متعة الوجدان.
ونستشعر مع الرجل المشوق لذة وجدانه بحيوانه العائد والذي يسترجع به قطعة من حياته … من ذكرياته … يحس معها بنشوة هي أروح لنفسه وأثمن من ثمنها المضاعف ثم نتساءل: ماذا إذا كان الضائع وجود الإنسان نفسه؟
فمن الذي عاد إلينا بوجودنا؟ من الذي عرّفنا بخالقنا؟
من الذي دلّنا على كل خير وحق ونور وحذّرنا من الباطل والظلم والشرور؟
من الذي رسم لنا برحمته ربنا المنهاج القويم ودلّنا على الصراط المستقيم؟
إنه قائدنا وأسوتنا وقدوتنا وشفيعنا وحبيبنا …
إنه الرسول الكريم … خير خلق الله أجمعين..
إنه إمام الأنبياء … المبعوثين رحمة للعالمين.
ولهذا وجب علينا أن نقول:
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي أنّا بغير محمــــدٍ لن نقتدي
إسلامنــــا نور يضيء طريقنـــا إسلامنا نارٌ على من يعتدي
إننا والحمد لله أتباع لأعظم الناس خُلقاً، وأحسنهم عملاً، وأصدقهم نصحاً، وأكثرهم خيراً للناس أجمعين:
ومما زادني شرفــاً وتيهــاً
وكدت بأخمصي أطأ الثُريا
دخولي تحت قولك ي عبادي
وأن صيّرت أحمد لي نبيا
أصدق من دعا … وأعدل من حكم … وأوفى من عاهد … وأرحم من قاتل … وأجلّ من عفا… وأحكم من نصح وأصلح …
والمقام لا يتسع لأكثر مما ذكرت لأنني لا أقصد الإطناب والإطالة وإنما أريد الإيجاز والاقتضاب لأحرّك الألباب علّها تثوب إلى الصواب …