مفاتيح السعادة (1)

#مفاتيح #السعادة (1) – بقلم #ماجد_دودين

المفتاح الأول: معرفة الله جلّ وعلا وتقدّس

أيها القارئ الكريم تعال معي لأتحدث بإيجاز عن معارف النجاح والسعادة… وأولى هذه المعارف وأرقاها وأعلاها وأجلها معرفة الله تعالى.

” الله” هذا الاسم الكريم عَلَمٌ على الذات المقدّسة التي نؤمن بها ونعمل لها، ونعرف أنّ منها حياتنا وإليها مصيرنا …

مقالات ذات صلة

الله تبارك وتعالى أهل الحمد والمجد، وأهل التقوى والمغفرة، لا نُحصي عليه ثناءً، ولا نبلغ حقه توقيراً وإجلالاً.

لو أنّ البشر منذ كُتب لهم تاريخ، وإلى أنْ تهمد لهم على ظهر الأرض حركة ـــــــ نسوا الله وكفروا به، ما خدش ذلك شيئاً من جلاله، ولا نقص ذرة من سلطانه، ولا كفّ شعاعاً من ضيائه، ولا غضّ بريقاً من كبريائه، فهو سبحانه أغنى بحوله وَطَوْلِه، وأعظم بذاته وصفاته، وأوسع في ملكوته وجبروته منْ أنْ ينال منه وهمُ واهمٍ، أو جهلُ جاهل!

ولئن كنا في عصرٍ عكف على هواه، وذُهل عنْ أُخْراه، وتنكًّرَ لربه فإنّ ضيْر ذلك وضرره يقع على أمّ رأسه، ولن يضرّ الله شيئاً “…

“يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ” فإذا وجدنا الله وجدنا كل شيء، وإذا أعرضنا عن الله خسرنا كل شيء. ورد في الأثر:” يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تشتغل بما هو لك عمّن أنت له …

يا ابن آدم لا تطلب غيري وأنا لك، فإن طلبتني وجدتني وإن فتّني فتّك وفاتك الخير كلّه” “.

علينا أن نخرج من قوقعتنا ونطل برؤوسنا على الدنيا لنتفرج ونتأمل وننظر ونتفكر ونتبصّر ونعتبر! لنرى أن هذا الكون الواسع الفسيح بما فيه من دقّةٍ ونظامٍ واتزانٍ، يوحي بإلهٍ عادلٍ لا يخطئ ميزانه … كريم لا يكف عن العطاء، يدهُ سحّاء بكل خير ونعمة ” وما بكم من نعمة فمن الله “.

إننا سنبقى في تيه كبير … ولن نعرف كيف نسير… إذا لـــــــم نتعرف على الله العلي القديــــــر… على عظمته وجلاله وقُدْرته … على سائر صفات كماله … على أسمائه الحُسنى وصفاته العليا

   وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك يعترف بحقيقة الشعور الفطري بوجود الذات الإلهية فيقــــــــــــــول: ” إنّي مع شعوري بنقص في ذاتي، أحس في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطراً إلى الاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليّة بجميع صفات الكمال ــــــــ وهي: الله “.

إنّ سرّ الفوز والنجاح والفلاح والسعادة يكمن في التعرف على قَدَرِ الله وقُدْرته …

“إنّ العالم وما فيه من سكون وحركة، أثرٌ لقدرة الله سبحانه وتعالى … وليست لشيء مّا، قدرة ذاتية يستمدها من طبيعته المجردة. فإذا رأيت البذور تشق التربة وتنمو رويداً رويداً لتستوي على سوقها فذلك بقدرة الله …

   وإذا رأيت الأمواج تلطم الشُّطآن، رائحة غادية لا تهدأ حتى تثور، فذلك بقدرة الله …

  وإذا رأيت القاطرات أو الطائرات تنهب الفضاء وتطوي الأبعاد وتحمل الأثقال فذلك بقدرة الله

  وإذا رأيت البشر يموج بعضهم في بعض، وينفعلون بالحب والبغض والفرح والحزن، وينطلقون عاملين، أو يهدؤون نائمين، فذلك بقدرة الله …

وسواء شعرت أو لم تشعر، فنبضات قلبك في حناياك، وسريان دمِك في عروقك وكمون الحس في أعصابك، وتجدد الحياة في خلاياك، وانسكاب الإفرازات من غددك ذلك كله بقدرة الله. 

    انتهى أحد الأعراب من صلاته ورفع أكفَّ الضراعة في خضوع وخشوع وتذلّلٍ كي يناجي مولاه ويدعوه ويرجوه ويقول: ” يا من لا تراه العيون … ولا يصفه الواصفون … ولا تخالطه الظنون … ولا يخشى الدوائر ولا تغيّره الحوادث … يا من يعلم مثاقيل الجبال … ومكاييل البحار … وعدد ورق الأشجار … وعدد قطر الأمطار… وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار … وما يواري منه من سماءٍ سماءًا،  ولا أرضٌ أرضا، ولا بحر ما في قعره ولا جبل ما في وعره … اجعل خير عمري أواخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم ألقاك ” …

  ما أعذبها من كلمات نطق بها وجدان هذا الأعرابي المؤمن؛ الذي لم يدرس في كلية ولا يحملُ شهادة الدكتوراه في آداب اللغة العربية! ولكنه يحمل بين جنبيه القلب الذي ينبض بالإيمان … القلب الذي يخشى الله … ويعرف قَدَرَ الله وقُدْرة الله ” ولمن خاف مقام ربه جنتان “. لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم دعاء هذا الأعرابي فاستدعاه وأهداه شيئاً من الذهب كان أُهْدِي إليه صلى الله عليه وسلم وقال له: ” لقد أهديتك هذا الذهب لحُسْن ثنائك على الله “.

   فإذا عرفنا الله أنتجت المعرفــــــــــــــــــــــــــــة الخوف والتقوى التي عرّفها الإمام علي رضي الله عنه بقوله ” التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ” …

   التقوى: أن يُطاع الله فلا يُعْصى، وأن يُذكر فلا يُنْسى، وأن يُشكر فلا يُكْفر … والتقوى هي أعلى دروب النجاة وأرفع مسلك من مسالكها:

     لا تأمنِ الموتَ في طرفٍ ولا نفسِ

                              ولو تمنّعت بالحُجّاب والحرسِ

      واعلم بأنّ سهام الموت قاصدة

                            لكلّ مــــــُــــــــــــدّرع منّـــــــــــا ومتّــــــــــــرسِ

      ترجوا السلامة ولم تسْلك مسالكها

                            إنّ السفينة لا تمشي على اليَبَسِ

لقد سمع هذه الموعظة الموجزة أحد الأتقياء وهو الخليفة” هارون الرشيد ” الذي كان يحجّ عاما ويغزو عاما ــــــــ سمعها من الشاعر أبي العتاهية فخرّ مغشياً عليه خوفاً من الله سبحانه.

إنّ من عرفوا الله خافوه … فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا في غاية العمل مع غاية الخوف، بينما جمعنا في هذا الزمان بين التقصير بل التفريط والأمن… فهذا الصدّيق رضي الله عنه يقـــــــــــــــــــــــــول: “وددت أني شعرة في جنب عبدٍ مؤمن ” وكان إذا قام إلى الصلاة كأنّه عودٌ من خشية الله عز وجل”.

   وهذا الفاروق رضي الله عنه قرأ سورة الطور حتى بلغ ” إنَّ عذابَ ربك لواقع ” فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وقال لابنه وهو يجود بأنفاس الحياة الأخيرة بعد ما طُعِن: ” ويحك ضعْ خدّي على الأرض عساه يرحمني” ثم قال: “ويل أمي إنْ لم يُغفر لي، ويل أمي إنْ لم يُغفر لي، ويل أمي إنْ لم يُغفر لي، ثم قضى” شهيداً… وكان رضي الله عنه يمرّ بالآية في ورده بالليل تُخيفه فيبقى في البيت أياماً يُعاد يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء من خشية الله.

   نعم … لقد عرفوا الله … عرفوا أنه أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أنْ يسأله فوق ما يؤمّله، يشكر القليل من العمل المُخْلص وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، لا يُشغله سمع عن سمع، ولا تُغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرّم بإلحاحِ المُلحّين، بل يحب الملحّين في الدعاء، ويُحب أن يُسْأل، ويغضب إذا لم يُسأل:

    الله يغضب إنْ تركت سؤاله       وبُنَيْ آدم حين يُسْأل يغضب

    لا تسألن بني آدم حاجــــــــــــــة       وسل الذي أبوابه لا تُحْجــــب

الله سبحانه يستر عبده حيث لا يستر العبد نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه … وينزل جل في عُلاه نزولاً يليق بجلاله وكماله ليستجيب لعبده ويُعطيه ويغفر له: ” ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: ” من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له “.

من عرف الله خافه ومن خافه أحبّه!

  وكيف لا تُحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلاّ هو؟! ولا يُجيب الدعوات، ويُقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكُرُبات، ويغيث اللهفات، ويُنيل الطلبات سواه!

الله … أحقّ من شُكِر، وأحقّ من ذُكِر، وأحقّ من عُبِد، وأحق من حُمِد ، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجْودُ من سُئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استُرحم ، وأكرم من قُصد ، وأعزُ من التُجئ إليه، وأكفى من توكّل عليه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأرحم بك منك بنفسك، وأشدّ فرحاُ بتوبة عبده التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة ثم وجدها… قال صلى الله عليه وسلم: ” للهُ أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيسَ منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها وقد أيس من راحلته … فبينما هو كذلك إذْ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: ” اللهمّ أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ” . رواه مسلم

  الله … هو الملكُ لا شريك له … والفرد لا ندّ له … كل شيء هالكُ إلا وجهه، لن يُطاع إلاّ بإذنه، ولن يُعصى إلا بعلمه، يُطاع فيشكر وبتوفيقه ونعمته أُطيع، ويُعْصى فيعفو ويغفر

الله … أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال، القلوب له مُفْضية، والسرّ عنده علانية، والغيب له مكشوف، وكل أحدٍ إليه ملهوف، الحلال ما أحلّ، والحرام ما حَرَّم، والدين ما شرع والأمر ما قضى والخلق خلقه والعبد عبده …

عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت العقول عن إدراك كُنهه ــــــ وكل ما خطر ببالك الله بخلاف ذلك ـــــــ ودلّت الفِطر والأدلة كلها على امتناع مثله وشبهه … 

أشرقت لنور وجهــــــه الظلمات، واستنارت له الأرض والسموات، وصلُحـــت عليه جميع المخلوقات…لا ينام ولا ينبغي أن ينام … “اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ” يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سَبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه “.

    لقد تحدث أحد رواد الفضاء الروس واسمه ” شنين ” إلى مجلة ألمانية عن شعوره وهو في سفينة الفضاء لأول مرّة وقال: ” رغم إني شيوعي مُلحدٌ إلاّ أنني صليت للرب حتى أعود من الرحلة بسلام”… كما سأل الملاح ” تتوف ” وهو يطوف بسفينته حول الأرض ويرى مظاهر الكون الرائعة: ” هذه الأرض – الكرة – المُعلّقة في الفضاء مَنْ يحملها؟ منْ يحملها وكل ما حولها فراغ فراغ؟! ” فيجيبه القرآن الكريم: ” إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ” فاطر (41)

    ويصوّر الإمام جعفر الصادق فطرة التدين في الإنسان في حوارٍ بينه وبين سائلٍ سأله عن الله عز وجل، وكان السائل ممن يعملون في البحر.

فقال الإمام للسائل: ألم تركب البحر؟ قال: نعم.

قال: هل حدث مرّة أن هاجت بكم الريح عاصفة؟ قال: نعم.

قال: وانقطع الأمل بالملاحين ووسائل النجاة؟ قال: نعم.

قال: فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك أنّ هناك من يستطيع أن يُنجيك إن شاء؟ قال: نعم.

قال الإمام جعفر رضي الله عنه: فذلك هو الله.

” هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ” يونس 22   .

” قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ” الأنعام63-64

وللحديث بقيّة إن شاء الله تعالى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى