سرعان ما تصبح ” #فلسطين ” الجبهة الأكثر توتراً للكيان المحتل ، مع تزايد الحوادث الإرهابية وغضب جماعات #المستوطنين المتطرفة رداً على مقتل اليهود، واشتداد حدة #الاشتباكات شبه اليومية مع اعتقال القوات الإسرائيلية لشبان فلسطينيين يخططون لمزيد من الهجمات.
يأخذ العنف في “الضفة الغربية” في الارتفاع هذا العام، والأرقام تعكس الحقيقة القاتمة. فقد لقي 28 إسرائيلياً مصرعهم في هجمات إرهابية في مناطق “الضفة الغربية” والقدس الشرقية منذ كانون الثاني/يناير، وقُتل 137 فلسطينياً من بينهم أكثر من 20 مدنياً غير مسلح، وسجلت السلطات 148 هجوماً إرهابياً “خطيراً” – من بينها 120 هجوماً باستخدام #أسلحة_نارية، والباقي باستخدام #متفجرات أو عمليات طعن أو دهس بالسيارات. كما أحبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية خلال هذه الفترة 375 هجوماً آخراً مخططاً له (300 اعتداء بالأسلحة النارية) واعتقلت أكثر من 1400 فلسطيني مشتبه بهم. وعلى الرغم من عدم وصول هذه الهجمات إلى المستويات التي شوهدت خلال #الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و 2004، إلا أن زيادتها الحادة في الأشهر الأخيرة تثير #القلق.
لقد تَركّز جزء كبير من هذا التصعيد في الجزء الشمالي من “الضفة الغربية”، ولا سيما في جنين ومخيم اللاجئين التابع لها، وبدأ يمتد تدريجياً إلى الحي القديم في نابلس وقرى ريف رام الله. أما الأجزاء الجنوبية من “الضفة الغربية” فقد بقيت خارج دائرة القتال هذه، لكن الهدوء النسبي هناك قد لا يدوم.
وقد أخذت تكتيكات إسرائيل في التوسع رداً على تصاعد العنف. ففي 21 حزيران/يونيو، أرسلت قواتها طائرة بدون طيار لضرب ثلاثة إرهابيين اعتبرتهم قنابل موقوتة كانوا في طريقهم لشن هجوم – وهي المرة الأولى منذ عقدين التي استخدَمت فيها مثل هذه الأساليب في “الضفة الغربية”. ومن جانبها، قامت العناصر الإرهابية الفلسطينية، بتحسين العبوات الناسفة التي تستخدمها ضد الجيش الإسرائيلي، وفي كثير من هذه الهجمات حشدت عشرات بل مئات المسلحين للانخراط في المعارك بدلاً من الفرار كما كانت تفعل في الماضي. واستمرت المواجهة التي دارت في 19 حزيران/يونيو في مخيم جنين للاجئين سبع ساعات، بعد أن تضررت مركبة مدرعة إسرائيلية من طراز “بانثر” من جراء انفجار لغم قوي مرتجل مشابه لتلك التي يزرعها “حزب الله” بشكل متكرر في لبنان. ومن ثم، تم إرسال مروحية من طراز “أباتشي” إلى الموقع للمساعدة في انسحاب القوات الإسرائيلية – وهو تكتيك نادراً ما تم استخدامه في “الضفة الغربية”.
علاوة على ذلك، تستثمر “حماس” و”الجهاد الإسلامي في فلسطين” – بتمويل سخي ومشورة من “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني وتعاون وثيق مع “حزب الله” – بشكل كبير في الجهود المبذولة لإنشاء ورش عمل سرية في “الضفة الغربية” لتركيب صواريخ من الأنواع التي تُصنّع في قطاع غزة. ففي أوائل هذا الشهر، اكتشفت إسرائيل أول محاولة لإطلاق مثل هذا الصاروخ، وعلى الرغم من فشل عملية الإطلاق، إلّا أن نقل الخبرة الفنية المكتسبة من هذه المحاولة سيستمر على المدى الطويل، ولا يمكن استبعاد تهريب هذه الصواريخ الخفيفة عبر نهر الأردن. وحتى الصواريخ قصيرة المدى، إن وُضعت في بلدات متاخمة “للخط الأخضر” (على سبيل المثال، طولكرم)، قد تشكل تهديداً مباشراً للمنطقة الوسطى المكتظة بالسكان في إسرائيل.
لماذا الآن؟
يعكس تدهور الحالة الأمنية تغيراً في أسلوب عمل حركة “حماس” والجماعات الأخرى التي تخلت إلى حد كبير (وإن لم يكن بالكامل) عن نهجها السابق في “الضفة الغربية”، والذي ركز على إنشاء شبكات سرية منضبطة تقودها سلاسل قيادية وقنوات اتصال من أجل تحديد الأهداف وتوقيت العمليات. ويبدو أن هذه الجماعات قد خلُصت إلى أنه من الأسهل على السلطات الإسرائيلية اختراق هذه الشبكات وتفكيكها؛ وبدلاً من السعي إلى إدارة العمليات من غزة وبيروت – المقر الرئيسي لـ “لجان الضفة الغربية” التابعة لـ “حماس” – تتمثل سياستها الحالية في إغراق المنطقة بالأسلحة والأموال، وتمكين الجماعات المحلية (وليس بالضرورة تلك التابعة لها) من تسليح نفسها واختيار أهدافها.
إن استبدال الهياكل الإرهابية الهرمية بهذا النهج الأكثر فوضوية يجعل جهود إسرائيل لمكافحة الإرهاب أكثر تعقيداً. فالأسلحة إلى “الضفة الغربية” تصل حالياً عبر الأردن من مناطق بعيدة مثل العراق ولبنان وسوريا وليبيا. وأدى التعاون الفعّال بين القوات الإسرائيلية والأردنية إلى الاستيلاء على العديد من هذه الشحنات، لكن الحدود الطويلة بين الدولتَين بعيدة كل البعد من أن تنسد بإحكام. بالإضافة إلى ذلك، تبيع العصابات الإجرامية للجماعات الإرهابية كميات كبيرة من الأسلحة التي تسرقها من القواعد الإسرائيلية.
ويتم تلقي هذه الأسلحة والأموال بفارغ الصبر من قِبل الجماعات المسلحة الكثيرة التي ظهرت داخل مخيمات اللاجئين في “الضفة الغربية” والأحياء الأكثر فقراً في العديد من المدن. وتطلق كل من هذه المجموعات على نفسها أسماءً مختلفة في كل منطقة ولا تُعرّف عن نفسها عادة بأنها فصيلاً من حركة أكبر منها. وينتمي إلى هذه المجموعات مئات الشباب الفلسطينيين الذين لم يشهدوا هزيمة الانتفاضة الثانية أثناء فترة رئاسة ياسر عرفات، ولا يحترمون “السلطة الفلسطينية” التي يعتبرونها فاسدة وقسرية على نطاق واسع. ويتعرّض هؤلاء الشباب لكميات هائلة من الدعاية والتحريض ضد إسرائيل إلى جانب تمجيد أفكار “المقاومة” والشهادة. ومعظمهم من أنصاف المتعلمين الذين يعملون على أساس مؤقت أو جزئي ضمن اقتصاد فلسطيني راكد، ولا يمكنهم الحصول على تصاريح عمل داخل إسرائيل بسبب صغر سنهم (أقل من سبعة وعشرين عاماً).
وحتى الآن، ما زالت الأجهزة الأمنية التابعة “للسلطة الفلسطينية” مترددة في دخول معاقل هذه الجماعات. وفي الواقع، أبلغ أقرب حلفاء الرئيس محمود عباس مراراً وتكراراً مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى بأن وحداتهم لن تغامر بالدخول إلى أماكن مثل جنين لأنهم يعتبرونها مناطق ذات “إشكالية”، في حين أشاد محافظ المنطقة، المعيّن من قبل “السلطة الفلسطينية”، أكرم الرجوب، علناً بالمسلحين المحليين. كما يحذّر المسؤولون الفلسطينيون، في مناقشاتهم مع الوفود الأمريكية، من أن الهجمات التي تسهّلها “حماس” والإجراءات التي تتخذها إسرائيل بشأن ذلك تساهم بإضعاف مصداقية “السلطة الفلسطينية” بشكل كبير ويمكنها أن تحفز على انهيارها. وبينما التزمت “السلطة الفلسطينية” ضمنياً بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، الا أن التعاون الأمني الرسمي لا يزال معلقاً. والجدير بالذكر أن المتنافسين المختلفين المنتمين إلى حركة “فتح” الحاكمة والذين يتنافسون على خلافة الرئيس عباس، البالغ من العمر سبعة وثمانين عاماً (على سبيل المثال، محمود العالول وجبريل الرجوب)، يقيمون بهدوء علاقات مع مختلف الجماعات المسلحة.
كما أن “السلطة الفلسطينية” مستاءة من مبادرة مصر للتوسط من أجل هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل و”حماس”، على الرغم من أن المقترحات تتضمن خياراً للبدء باستخراج الغاز الطبيعي من حقل غزة البحري وتقسيم الإيرادات بين “السلطة الفلسطينية” وحركة “حماس”. ويبدو محمود عباس مقتنعاً بأن “حماس” عازمة على الاستيلاء على “الضفة الغربية”، ويؤمن على ما يبدو أن “الحركة” تجنبت المشاركة في المزيد من الاشتباكات مع إسرائيل في غزة لهذا السبب.
ومن جانبها، تعمل حكومة “اليمين الكامل” الحالية في إسرائيل على تفاقم التوترات من خلال الإعلان عن خطط لتسريع بناء آلاف المنازل الجديدة في “الضفة الغربية”. وأصدرت شخصيات مثيرة للجدل، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش (المسؤول أيضاً عن قضايا المستوطنين في وزارة الدفاع)، سيلاً من التصريحات التي تَعِد بسياسات أكثر صرامة تجاه الفلسطينيين وترفض التسوية السياسية نحو حل الدولتين. ويعتقد الكثير من المسؤولين في “السلطة الفلسطينية” ومسؤولون آخرون أن الحملة الأخيرة التي شُنت من أجل “إصلاح القضاء” الإسرائيلي مدفوعة إلى حد كبير من قبل أعضاء الائتلاف الذين يريدون إضعاف “المحكمة العليا” من أجل تسهيل خططهم لضم “الضفة الغربية”. وفي غضون ذلك، لا تمنع الحكومة الإسرائيلية المستوطنين من العودة إلى الأماكن التي تم إخلاؤها بموجب قانون فك الارتباط لعام 2005 (على سبيل المثال، تم إنشاء سبع بؤر استيطانية جديدة غير مصرح بها خلال الأيام العشرة الماضية، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لإجلائهم حتى الآن). كما فشل الائتلاف في إدانة انتقام المستوطنين أو كبحهم في أعقاب الهجمات الإرهابية الفلسطينية.
ويضغط لوبي المستوطنين والسياسيون اليمينيون الآن على الحكومة الإسرائلية لإطلاق نسخة جديدة من عملية “الدرع الواقي” في منطقة جنين وربما خارجها، في إشارة إلى الرد العسكري الإسرائيلي على الانتفاضة الثانية عام 2002. ومع ذلك، تعتقد “هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي” أن اتباع نهج أكثر تواضعاً – تكثيف التكتيكات الحالية المتمثلة بـ “جز العشب” – من شأنه أن يحتوي التوترات في نهاية المطاف، في حين يميل “جهاز الأمن الإسرائيلي”، على ما يبدو، نحو تنفيذ عملية محدودة لنزع سلاح جنين. وبطبيعة الحال، حتى العمليات المحدودة يمكن أن تتسبب في تصعيد على جبهة غزة أو الحدود اللبنانية الهشة، خاصة إذا أدت إلى سقوط ضحايا فلسطينيين. وعلى أي حال، تستعد الجماعات المحلية في جنين أساساً لتوغل إسرائيلي محتمل من خلال نصب الكمائن ونثر العبوات الناسفة وإنشاء مواقع للقناصة.
التوصيات
إن أفضل طريقة لإسرائيل لمواجهة التحدي الذي تشكله أنماط التهديد الجديدة هذه على المدى القريب، هي تحسين إجراءاتها المضادة وإحياء التعاون الأمني والاستخباراتي الكامل مع “السلطة الفلسطينية”. ومع ذلك، فإن الحل طويل المدى لمنع تحول “الضفة الغربية” إلى الغرب الأمريكي المتوحش وغياب القانون، سوف يتطلب خطة قوية لإنقاذ “السلطة الفلسطينية”. وسيكون من الحكمة أن تتضمن أي جهود إسرائيلية وفلسطينية وأمريكية المبادئ التالية للوصول إلى هذا الهدف وتهدئة الوضع:
تجنب عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في “الضفة الغربية”. ينبغي في الوقت الحاضر اختبار أساليب أقل صرامة لتقليص النشاط الإرهابي. على سبيل المثال، أدت الجهود المشتركة بين إسرائيل و”السلطة الفلسطينية” في نابلس في وقت سابق من هذا العام إلى اتفاق لتفكيك جزء كبير من الفصيل الإرهابي المحلي “عرين الأسد”. كما يجب على إسرائيل أيضاً النظر في تجديد عرضها بإسقاط المسلّحين من قائمة المطلوبين والامتناع عن ملاحقتهم إذا سلّموا أنفسهم وأسلحتهم إلى “السلطة الفلسطينية”.
تشجيع الرئيس عباس على تشكيل حكومة جديدة. تسعى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المانحة إلى تعزيز اقتصاد “الضفة الغربية” وبناء الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفساد فيها، ، لكن السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف هو تشكيل حكومة جديدة تركز على هذه الأمور. ولا توجد طريقة أخرى تمكّن “السلطة الفلسطينية” من استعادة مصداقيتها واحترامها على الصعيد المحلي. هناك حاجة ماسة إلى توجيه الموارد المالية بعيداً عن نظام المحسوبية الحالي والقطاع العام الآخذ في التوسع باستمرار، لتعزيز الاستثمار في المشاريع التي تخلق المزيد من فرص العمل.
تجميد المستوطنات وكبح جماح العناصر الخارجة على القانون. يجب على إسرائيل أن ترد بالمثل على أي خطوات إيجابية تقوم بها “السلطة الفلسطينية”، وأن تمنع المستوطنين الخارجين على القانون، ولو بشكل جزئي، من تأجيج التوترات في “الضفة الغربية”. ينبغي على الحكومة الإسرائيلية أيضاً قبول بعض التعديلات في ترتيباتها المالية الحالية مع “السلطة الفلسطينية”. وعلى الرغم من أن تغيير الموقف يبدو غير مرجّح في الائتلاف الإسرائيلي الحالي، إلا أن ضبط النفس وإقامة الحوار مع “السلطة الفلسطينية” لا يزالان ضروريين.
إصلاح الأجهزة الأمنية التابعة “للسلطة الفلسطينية”. على سبيل المثال، يفوق عدد الضباط الذين يخدمون في هذه الأجهزة حالياً عدد الجنود ورجال الشرطة. وعلاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء، البالغ عددهم 35,000 عضو يقتربون من سن التقاعد، ويعمل العديد منهم بنظام نصف الدوام. هناك حاجة ماسة لدماء جديدة – وخاصة الأفراد الذين يدركون أن وقف التوغلات الإسرائيلية يتطلب من السلطات الفلسطينية تحمل مسؤولية الحفاظ على السلام بنفسها.
” معهد واشنطن washingtoninstitute”