#مصطلحات_إسلامية: النفاق والكفر
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
هذان المصطلحان اسلاميان بامتياز، فلم يستعملا قبل بمدلوليهما في اللغة العربية قبل نزول القرآن.
ومع أن دلالتيهما غير منقطعة عن جذريهما اللغوي، إلا أن ما يهمنا هو المعنى الإصطلاحي المقصود شرعيا، فالكفر هو جحود بالنعمة وأنكار لفضل المنعم، ويشمل انكار وجود الله (الإلحاد)، أو انكار تفرده بالأوهية (الشرك)، أو الاعتراف بوجوده لكن التكذيب بأنه أنزل الدين.
أما النفاق فهو ادعاء الإيمان واتباع منهجه ظاهريا، مع إبطان الكفر، ويتمثل بالإرصاد بدينه والعداء لمنهجه عندما تلوح الفرصة لذلك.
هكذا فخروج الكافر عن الملة ظاهر بأفعاله، معلن بأقواله، بينما المنافق ظاهره مؤمن وأنه من الأمة، لكنه يخفي عداءه لها تقية، فلا يمكن كشفه ألا بالتمحيص، أو حين تلم بها المخاطر، فيطمعه ضعفها بإعلان ما بدخيلته.
ولما كانت أمة الدعوة مكلفة بنشر الدين الذي يحقق العدالة ويحارب الظلم والأطماع، فستبقى على الدوام مستهدفة من قبلهم، ويبذلون كل ما بوسعهم لاستئصالها من الوجود، ولن يمكنهم ذلك قطعا، لأن الله الذي شاء أن ينزل للبشر نورا هاديا، لن يسمح لأحد بإطفاء نوره، لذلك طمأن متبعي منهجه الى هذه الحتمية المؤكدة بقوله تعالى: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141].
لذلك فلتوافق مصلحة الفريقين الكافرين، سواء الكاشفون عن عدائهم او المخفون له، فهما متحالفان أصلا ضد الفئة المؤمنة، لكن خطورة المخفين كفرهم (المنافقين) أعظم، لأن الضرر والأذى الذي يحدثه من يهاجم المعاقل والحصون من الداخل أبلغ كثيرا مما يحدثه من يهاجمها من خارجها، لذلك رأينا عددا كبيرا من آيات كتاب الله تناولت المنافقين، وبينت مخاطرهم وتوعدتهم بالدرك الأسفل من النار، وبأكثر كثيرا مما تناولت الكافرين.
وتكفي الآية: “اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ” [التوبة:80]، لكي ترتعد أوصال المنافقين رعبا من غضب الله عليهم، فهو غفور رحيم، ويقبل التوبة إن شاء من المستغفرين مهما بلغت ذنوبهم، لكن المنافق مطرود من رحمته تلك نهائيا، ولن يقبل فيهم حتى شفاعة نبيه الكريم.
في عصرنا هذا الذي تكالب على أمتنا أعداؤها الكافرون من الخارج، وأصابها الضعف لما ران على قلوب حكامها، لذلك اطمأن المنافقون فيها فكشفوا أنفسهم، وهم ليسوا تاركي الصلاة والزكاة من بيننا، فهؤلاء عصاة لهم حسابهم عند خالقهم، لكنهم أولئك الذين يكشفهم محاربتهم الدعاة الى اتباع الحكام لمنهج الله، وتخذيلهم عن نصرة المجاهدين ووصمهم إياهم بالإرهاب.
وهم على أصناف ثلاثة:
1 – حكام يوالون أعداء الأمة ابتغاء نيل رضاهم وإبقائهم في مناصبهم، وهؤلاء عدّهم الله منافقين: “بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا” [النساء:138-139] .
2 – من يوالون من حادّ الله ورسوله، فيؤيدون الحكام الذين يبطشون بمن يدعو الى إقامة دولة الإسلام، بدعوى أنها تخلف ورجعية، وأن التقدم في اتباع منهج الغرب.
3 – وأخطرها النفاق الخفي، فيظن المرء أنه ليس منافقاً، وهم الذين قال فيهم تعالى: “وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ” [التوبة:47]، فتطرب نفوسهم لأقوال المنافقين ويبثونه، وهؤلاء يعتقدون أنهم مؤمنون صادقون متبعون للسنة المطهرة بتشبههم بمظاهر السلف، بل ويكثرون من العبادات والنوافل، لكن هؤلاء هم الأخسرون يوم الحساب: “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا .الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” [الكهف:103-104]، ودليلا على خسران هؤلاء الذين كانوا يعتقدون أنهم بعباداتهم فائزون، هو قوله تعالى في الآية التي سبقتها: “أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ”، فهؤلاء هم الذين يوالون الحكام المذكورين في الصنف الأول، ويدافعون عنهم بذريعة طاعة أولي الأمر، مع أنهم يرونهم مخالفين لمنهج الله ويطبقون العلمانية بديلا له، فيبيحون مظاهر الفسوق والانحلال تحت مسمى الترفيه ودعم السياحة، وهم يرون مدى بطشهم وتنكيلهم بالعلماء الربانيين الذين رفضوا الإفتاء لهم بما يفعلون، لكنهم يسكتون عن كل ذلك، اتباعا لشيوخ الضلال الذين باعوا دينهم بدنياهم.
لذلك فاتباعهم شيوخ الجماعات التي باعت نفسها للسلاطين جعلهم شركاء لهم في النفاق، وسيجدون يوم القيامة أعمالهم الصالحة هباء منثورا، ولو كانت كجبال تهامه.