مسلسل الجماعة : كيف استطاع إعلام العسكر تشويه تاريخ الإخوان؟

سواليف

كنا نردد دائماً أن السوشيال ميديا أقوى سلاح في الوقت الحالي الذي يمكن استخدامه للترويج للأفكار المختلفة، سواء كانت أفكاراً علمانية شيوعية ليبرالية، أو حتى مجرد الترويج لانقلاب مزيف، ولكن في الماضي، وخصوصاً في ظل عدم وجود تلفاز أو حتى مجلة، خرج في مصر رجل يدعى حسن البنا، كان إماماً وواعظاً تخرج في كلية دار العلوم، دعا حسن البنا إلى التمسك بالأخلاق الحميدة، وبالفعل استطاع حسن البنا أن يجذب العديد من الشباب والشيوخ حوله، وكل هذا كان عن طريق الخطابات، ونشر الوعي الديني بين الناس.

وأقام البنا العلاقات الكثيرة مع كل الناس حوله، وخصوصاً في الإسماعيلية، المكان الذي بدأ حسن البنا منه الدعوة، وضرب مثالاً يجب أن يحتذى به في شغل العلاقات العامة، نتيجة للعلاقات التي أقامها حسن البنا والتي ساعدته على التعرف على الكثير من الشخصيات المهمة في مصر، مثل المرحوم الأستاذ حافظ وهبة، مستشار الملك عبد العزيز وغيره من الشخصيات.

إن الزمان لا يختلف، فزمن حسن البنا كان فيه المصريون بعيدين تماماً عن الدين الإسلامي، والقليل منهم مَن يعرف أمور دينه، حتى إن حسن البنا ذكر في قضية الدفاع عن فلسطين والترويج للفكرة بين المصريين: كان أغلب المصريين لا يعلم ما هي فلسطين وأين يوجد هذا البلد.
من إيجابيات حسن البنا التي يذكرها التاريخ ويقف احتراماً له هو منع البغاء والزنى في مصر بعد ما كان مسموحاً به، مقابل أن لا يرشح نفسه للانتخابات التشريعية بأمر من الملك فاروق، وبالفعل تم إلغاء البغاء في مصر بعد مجهود كبير من حسن البنا، وهذا ما لا يحب الشيوعيون والعلمانيون ذكره عندما تأتي سيرة حسن البنا، بل إن الشيوعيين في فترة الستينيات وبعد اقترابهم من عبد الناصر والسيطرة على الصحافة والإعلام بأمر من السوفييت لعبد الناصر، كان الشيوعيون يعملون على تشويه صورة حسن البنا بأي وسيلة من الوسائل، ولكن في ذلك الوقت كانت الحرب من جهة واحدة، فقد كان الإخوان تحت المراقبة الشديدة من سلطة عبد الناصر وتوقفت الدعوة في ذاك الوقت.

حسن البنا لم يكن يطمع في أى سلطة، بل إنه رفض أن يقوم بتشكيل الحكومة عندما عرضت عليه أكثر من مرة، بأمر من الملك، وكان هذا من ضمن أسباب اغتيال حسن البنا على يد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم عبدالهادي.
دور الإعلام المصري في تشويه صورة حسن البنا

مسلسل الجماعة في أواخر عام 2010 في ظل سيطرة المخلوع حسني مبارك على البلاد بعد أكثر من 30 عاماً عاش فيهاً الشعب المصري في تخلف وتراجع في مستوى المعيشة.

عرض هذا المسلسل في شهر رمضان برعاية المؤلف وحيد حامد، وبفريق تمثيل مكون من: خالد جلال، وبرعاية المنتج كامل أبو علي، وقد عملوا على تشويه الإخوان، وخصوصاً حسن البنا؛ ليظهورا للناس على أنه متشدد في الدين، وكثيرًا ما يخطئ، ولكن الشاهد في هذا أن هذا المسلسل قام بالترويج إلى دعوة الإخوان، ودخل كل البيوت المصرية، فأخذ أغلب الناس يقرأون عن تاريخ هذا الرجل، وفي الحقيقة فإن تاريخ هذا الرجل والدعوة مباركة بأقوال من الشيخ الشعراوي والشيخ كشك رحمهما الله.
والآن يعمل الجزء الثاني من المسلسل على تشويه التاريخ الحقيقي، فعبد الناصر كان من الإخوان، وبايع المرشد حسن البنا، وأطاح بقائد تنظيم الضباط الأحرار الأول عبد المنعم عبد الرؤوف بشهادة الضابط صلاح شادي، في كتابه صفحات من تاريخ الإخوان، فالكذب وتشويه التاريخ ليس بالشيء الجديد على العسكر أو العلمانيين أو حتى الشيوعيين، فالمصلحة تقضي على قول الحق، ومما يذكر أيضاً عدم عرض مشهد اغتيال حسن البنا؛ ليرى العالم الإسلامي كيف قضى الملك فاروق على رجل آمن بدعوة الإسلام، وعمل عليها، وكان يقول: ربي الله!

مما يذكر أيضاً أنه بعد عرض المسلسل قامت الثورة وأطاحت بمبارك، والآن نحن في انتظار مسلسل الجماعة 2 فهل يطيح بعدها بالسيسي؟ وخصوصاً أن الظروف الآن في مصر أسوأ مما كانت عليه في عهد المخلوع مبارك، فمصر الآن تشهد حرباً صريحة على الإسلام، وتشويه نصوص القرآن، وحرباً على الأزهر، العمود الأساسي للإسلام في مصر والعالم الإسلامي؛ لأنه يدعو إلى الدين الوسطي، ولا يدعو أبداً إلى التشدد أو التكفير بعكس بعض الدول التي تتبنى بعض الأفكار المتشددة في الإسلام.

الظروف التي تشهدها مصر في تشويه الإسلام أمر كان مؤكداً، وخصوصاً بعد الزج بالإخوان المسلمين في المعتقلات، فقد كان حال الإعلام المصري في خلال حكم الدكتور محمد مرسي أن الإخوان لا ينتمون إلى الإسلام بأي صلة، وقد قام الكثير من المشايخ بإصدار الفتاوى التي تبيح قتل الإخوان المسلمين، وقام الجيش بتأجير الواعظين لنشر هذه الأفكار في داخل المؤسسة العسكرية، فشتان بين الواعظ حسن البنا الذي أخذ يدخل المقاهي والمساجد والبيوت للدعوة إلى سبيل الله والأخلاق الحميدة وبين شيوخ يبيحون قتل إخوة لهم في الدين.
الحقيقة لا تخفى على أحد، ففي كتاب لعبة الأمم للكاتب مايلز كوبلاند، أحد جنود المخابرات الأميركية في مصر، والصديق المقرب لعبد الناصر، كان يقول في شهاداته: إن كل الحكومات تخضع تحت سيطرة الغرب، وكلهم في الحكم بأمر من الغرب، وفي الحقيقة هذه شهادة مؤكدة، فمحمد نجيب ومحمد مرسي لم يحكما مصر كثيراً؛ لأنهما لم يخضعا إلى أوامر الغرب، فقد ذكر أيضاً أن عبد الناصر قبل ليلة الانقلاب قام بإرسال خطة الانقلاب مع الضابط علي صبري لكيم روزفلت، أحد أقطاب المخابرات الأميركية، فهذا دليل على صداقة عبد الناصر للأميركان، وأنه كان تابعاً وليس قائداً لا أحد يملي عليه شروطه، كما يقول مؤيدوه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى