مسرح
حدّثَ المعالجُ النفسيّ المريضَ الجالس قبالته، الغارق في كآبة شديدة: تستطيع بكل بساطة الخروج من هذه الحالة بأن تغمض عينيك وتتخيّل أنّ الحياةَ مسرحٌ كبير، والكلّ على خشبته ممثلين. أصدقاؤك الذين أعياك الخبث في أعينهم، هم في الحقيقة أطيب الأخلاّء، لكنهم يمثّلون. زوجتك التي لا تلتقي وإياها في وجهة نظر واحدة، أنتما في الحقيقة متفاهمان جداً، لكنّ المسرح يقتضي منكما تمثيل هذا الإختلاف.
روّاد الشبكات الإجتماعية التي تقضي نهارك في تصفّحها، في حقيقتهم شخصيات متواضعة وغير معقّدة، لكنهم مضطرون لتمثيل جنون العظمة الذي تراه. الزعامات التي تشوّه وجه الإنسانية، في حقيقتها زعامات نظيفة، لكنها تمثّل كل هذه القذارة. الأبرياء الذين تنام وتصحو كل يومٍ على استغاثاتهم، هؤلاء بالذات هم أقدرُ الممثلين، وهم في الحقيقة أكثرُ الناس أمناً وسعادة، لكنّ المسرح يقتضي منهم هذا التباكي.
لو استطعتَ إقناع نفسك من خلال التخيّل أنّ كل هذا هو تمثيل، هل تدرك إلى أي حد سيتحسّن مزاجُك؟
ثمّ أخرج المعالجُ النفسيّ باقي كلماته ببطءٍ وقد توسعت عيناه: ما بالك لو علمتَ أنّ كل هذا هو حقاً تمثيل؟
جَفلَ المريضُ وحدّق في عيني المعالج يتأكد إن كان على ما يرام، فكرّر الأخير جملته الأخيرة وعيناه المتوسعتان تفصحان عن صدقٍ عميق: نعم، لا حاجة لأن تتخيّل، هأنذا اُطمئنك أنّ كل هذا هو حقاً تمثيل.
ثمّ ألقى المعالجُ النفسيّ في فمه حبّة مهدّىء وشرب معها كوب ماءٍ كبير.