مستوى التعليم في جامعاتنا
قال الشريف الرضي قبل أكثر من ألف عام وقد غادر الديار مشحوناً بالوجد والهيام:
تلفتتْ عيني فمذ خفيتْ عني الطلول تَلفت القلبُ
وأقول :على مشارف نهاية الرحلة في العمل الأكاديمي،بل في أواخر العمر حيث لا مَطمع ولا مَفزع،أعرض لمن يهمه الأمر أسئلةً تدور في الذهن منذ عشرات السنوات حول الانحدار المتلاحق في المستوى الأكاديمي لجامعاتنا،لعلّ في الإجابة الصادقة عنها إضاءات على بعض أوجه الخلل،وإلماحات إلى سُبل تصويب الزلل.
وهي أسئلةُ مفارقٍ لمهنةٍ تعلّق قلبه بها حريص على تنقيتها من أوشابها:
-هل يتم قبول الطلاب في جامعاتنا وفق تعليمات صارمة عادلة ،لا مجال فيها للاستثناءات من أي نوع،لأن العلم ليس بابها ولا هو محرابها،ولا يطغى فيها السعي للربح المادي على قدسية العلم،ومصلحة الوطن؟
-هل تتم التعيينات الأكاديمية والإدارية في الجامعات وفق أسس موضوعية تُراعى فيها الحاجات الفعلية والتخصصات المطلوبة،وتجري المفاضلات بين الطلبات،وتتم المقابلات تحت عنوان العدالة والحرص على المصلحة العامة؟
-هل يُراقَب المدرس بجدية في أداء وظيفته وانضباط سلوكه ومستواه الأكاديمي بعيداً عن الترهّل والتسيّب أو التصيّد المزاجي والأهواء الشخصية والعلاقات المصطنعة الانتهازية؟
مثلاً:هل يُتابَع انضباط المدرس في دوامه والانتظام في أداء واجبه دون افتعال مسوغات للغياب،والالتزام بمواعيد بدء وانتهاء محاضراته،وإشغال الوقت بما يفيد طلابه،وتنمية مستواه العلمي لتقديم أعظم الفوائد لهم،واحترام شخصياتهم وتقويم سلوكهم،والعدل بينهم في التعامل معهم….؟
وهل يُدقَق النظر في طريقة تقييم المدرس لطلابه ودقته الوافية بذلك،وعدالة علاماته،وتَرفُعِه عن الظلم فيها أو العبث بها أو الانصياع لأية ضغوط مهما كانت….؟
-هل يتم تعيين الإداريين من الأكاديميين:مساعدي عمداء،ورؤساء أقسام،ومديري مراكز ووحدات،ونواب عمداء،وعمداء،ونواب رئيس،ورؤساء جامعات على ضوء شروط تفاضلية واضحة ومعيارية حازمة،بعيداً عن العلاقات الشخصية والعشائرية والمناطقية والضغوط الاجتماعية؟
-هل يُراقَب هؤلاء الأكاديميون الإداريون بجدية،ويُتابَع أداؤُهم لمهامهم بعلنية وسرية للاطمئنان إلى مدى نجاحهم،ومستوى رضا مرؤوسيهم عنهم،وانضباط سلوكهم الإداري تحت مظلة موضوعية إنسانية وازنة؟
-هل تُتاح الفرصة للمرؤوسين لتقييم أداء هؤلاء المسؤولين بموضوعية ،بعيداً عن الكيدية والمزاجية؟
-هل تتم الترقيات الأكاديمية وفق أسس سليمة، وإجراءات سرية نزيهة تسمو عن تصفية الحسابات،والتأثر بالعلاقات المزيفة ،وتحتكم إلى الأمانة،وتعتصم بالعدالة؟
وهل يُنظر في أبحاث المدرس نظرة أولية ثاقبة للتعرف إلى قيمتها وأماكن نشرها وبُعدها عن شبهة السرقة العلمية أو البيع والشراء أو تقارض الأسماء لاستكثار أعداد الأبحاث؟
وهل تُرسل إلى محكمين عادلين جادين في عملهم نشيطين في إنجاز مهمتهم،يتابَعون بدأب لتلقي ردودهم سريعاً،بعيداً عن أية مؤثرات إيجابية أو سلبية؟
-هل تُتخذ القرارات في مجالس العمداء بمستوى عالٍ من الجدية والنقاشات الموضوعية،والحرص على مصلحة الجامعة وأموالها وسمعتها ومصلحة العاملين فيها وطلابها،بعيداً عن الاسترضاء والتزلف أو المهادنة وطلب السلامة؟
-هل توفر الجامعة للمدرس البيئة الأساسية المطلوبة من قاعات تدريسية ملائمة ،ووسائل تعليمية كافية ومكاتب لائقة …..؟
وهل تساعده في تحقيق أسباب الحياة المنشودة من كرامة وسكن ومعاش…؟
وهل تسعفه في الحفاظ على الشعور بالأمن الوظيفي لرفع معنويته وتعزيز دافعيته؟
وهل تقنعه أنه في جوِّ أكاديميّ وظيفيّ نقيّ:لكلّ مجتهد فيه نصيب وثواب،ولا تنفع المسيء فهلوته الرخيصة ولن يجني إلّا الحساب والعقاب؟
هذه نماذج دالّة لأسئلة كثيرة أخرى يضيق عنها المقام،وفي ما أُبقي دليلٌ كافٍ على ما ألقي،لكنها في مجملها تشير إلى أننا في أزمة تعليمية واجتماعية؛فالجامعة صورة مصغرة للمجتمع،هي ربيبته وبنت بيئته إن صلح صلحت، وإن فسد فسدت لكن المأمول أن تكون الجامعة هي مهاد الصلاح ومستنبت الإصلاح.
إن الإجابات عن الأسئلة المعروضة في هذه المقالة لا تخفى على ذي بصر وضمير،ولعلّ في صرخة أبي الطيب المتنبي إلماعة وتذكير:
ونحن أدرى وقد سألنا بنجدٍ أطويلٌ طريقنا أم يطولُ؟
وكثيرٌ من السؤال اشتياقٌ وكثيــــر من ردّه تعليلُ