مسؤول استخباراتي سابق لدى الاحتلال: “إسرائيل” لم تكسر شوكة حماس 

#سواليف

في ورقة سياسات جديدة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، قدّم الجنرال تمير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في #جيش_الاحتلال، تحليلًا للخيارات المتاحة أمام #حكومة_الاحتلال في حال تعذر التوصل إلى صفقة مع حركة #حماس تؤدي إلى إطلاق سراح #الأسرى و #إنهاء_الحرب الدائرة في قطاع #غزة.

الدراسة تنطلق من اعتراف واضح بأن الاستراتيجية القائمة على الدمج بين الضغط العسكري ومحاولات صفقات جزئية لم تحقق مبتغاها، بل كشفت عن محدودية القوة الإسرائيلية وتعقيد المشهد الميداني والسياسي في آن واحد.

وبحسبه، فالحرب التي استمرت لأشهر طويلة لم تؤدِّ إلى كسر #شوكة_حماس، بل ساهمت في انتقالها من نموذج التنظيم العسكري النظامي إلى أسلوب #حرب_العصابات اللامركزية، الأمر الذي يصعّب إمكانية الحسم ويزيد من كلفة #المعركة على ” #إسرائيل “.

ويرى أنه في الوقت ذاته، انعكست الحرب بسلبياتها على الداخل الإسرائيلي، حيث تعمق الانقسام السياسي والحزبي، وبرزت مؤشرات واضحة على تراجع الانضباط داخل المؤسسة العسكرية، فيما ارتفعت فاتورة الحرب إلى مليارات الدولارات سنويًا، يرافقها تآكل صورة إسرائيل في الساحة الدولية واتهامها بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

من هذا المنطلق، يستعرض هايمان ثلاثة بدائل رئيسية أمام صانع القرار الإسرائيلي. الأول يقوم على توسيع العملية البرية وصولًا إلى احتلال قطاع غزة بأكمله، بما يشمل السيطرة على مدينة غزة ومخيمات الوسطى، وإنشاء ما تسميه الدراسة “مدينة إنسانية”.

غير أن هذا الخيار محفوف بأثمان باهظة، إذ يشكل خطرًا مباشرًا على حياة الأسرى المحتجزين في أماكن سرية تحت الأرض، ويهدد بخسائر عسكرية فادحة تستدعي تجنيد عشرات آلاف من جنود الاحتياط، فضلًا عن أعباء مالية تقدّر بعشرات المليارات من الشيكلات لتغطية النفقات العسكرية وتوفير الخدمات الأساسية لمليوني فلسطيني، ما يعني تحميل دافع الضرائب الإسرائيلي أثقالًا مضاعفة. كذلك، سيقود هذا السيناريو إلى اتهام إسرائيل بتطهير عرقي، ويولّد أزمة إنسانية خانقة في غزة، الأمر الذي سيزيد من عزلة “إسرائيل” على المستوى الدولي، إلى جانب التصدعات العميقة داخل “المجتمع الإسرائيلي” نفسه، حيث ستتفاقم الخلافات حول شرعية التضحية بالأسرى مقابل أوهام الحسم.

أما الخيار الثاني فيتمثل في وقف الحرب بشكل أحادي وقبول معظم شروط حماس مقابل إطلاق سراح الأسرى. لكنه يُقدَّم في الورقة باعتباره استسلامًا مقنعًا، يمنح الحركة شرعية سياسية ودعاية انتصار كبرى باعتبارها الطرف الذي أعاد الإعمار وفرض شروطه، بينما يجرّد “إسرائيل” من عنصر الردع الذي طالما تباهت به. مثل هذا المسار سيُدخل “المجتمع الإسرائيلي” في دوامة جديدة من الانقسام، إذ سيتهم جزء من الجمهور القيادة بالتفريط والخضوع، بينما يرى آخرون أن الحرب منذ بدايتها كانت مغامرة غير ضرورية. وفي الحالتين، ستتعرض القيادة السياسية والعسكرية لضربة قاسية في صورتها أمام الجمهور وأمام حلفائها الإقليميين والدوليين.

الخيار الثالث الذي يطرحه هايمان هو اعتماد استراتيجية الاستنزاف، أي تثبيت حزام أمني على تخوم غزة والإبقاء على وجود عسكري متقدم مع تنفيذ عمليات هجومية محدودة، على شاكلة ما يُعرف في العقيدة الإسرائيلية بـ”جز العشب”، بحيث يهدف هذا النهج إلى منع تعاظم قوة حماس وإبقائها في حالة إنهاك دائم. ويرتبط ذلك بإدخال مساعدات إنسانية واسعة عبر قنوات دولية وتشكيل إدارة مدنية بديلة لا تخضع للحركة، على أن يشكل هذا الترتيب وضعًا انتقاليًا يتيح لإسرائيل ترميم قدراتها العسكرية وإعادة تأهيل الجيش بعد أطول حرب يخوضها منذ قيامها. هذا السيناريو لا يحقق الحسم، لكنه يخفف من الضغط الدولي المتصاعد ويمنح المؤسسة العسكرية وقتًا لإعادة بناء قوتها وتنظيمها، فيما قد يؤدي مرور الزمن إلى ليّ ذراع حماس وإجبارها لاحقًا على الدخول في صفقة شاملة لإطلاق الأسرى بشروط أكثر ملاءمة لإسرائيل.

بعد استعراض المزايا والعيوب، يخلص هايمان إلى أن الاستراتيجية الأنسب، أو بالأحرى الأقل سوءًا، هي خيار الاستنزاف. فهو لا يعرّض حياة الأسرى للخطر الفوري كما في خيار الاحتلال الكامل، ولا يمنح حماس انتصارًا سياسيًا مجانيًا كما في خيار وقف الحرب من طرف واحد. بل يتيح لإسرائيل الحفاظ على خطوط دفاعية مرنة، والاستفادة من الوقت لتقليل خسائرها الاستراتيجية، وربما تحسين موقعها التفاوضي في المستقبل. الدراسة تعترف بأن هذا الخيار ليس مثاليًا، لكنه يجنّب “إسرائيل” الكوارث الكامنة في البديلين الآخرين، ويحافظ على إمكانية الوصول لاحقًا إلى تسوية سياسية بوساطة عربية ودولية قد تفتح الباب أمام إنهاء الحرب ضمن صفقة شاملة للأسرى.

بهذا المعنى، تتحول ورقة هايمان إلى اعتراف ضمني بأن “إسرائيل” عالقة في معضلة مركّبة لا تملك فيها خيارات جيدة، بل مجبرة على اختيار “الأقل سوءًا” للحفاظ على تماسكها الداخلي وتخفيف خسائرها الخارجية. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية باتت أكثر وعيًا لحدود قوتها العسكرية وللأثمان الباهظة التي تدفعها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ينعكس في نزوعها نحو حلول وسطية طويلة الأمد تعكس إدراكًا متزايدًا بأن الحسم الكامل في غزة لم يعد خيارًا واقعيًا .

المصدر
قدس الاخبارية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى