محمد.. سوري يروي ويلات سجون النظام

سواليف

بين أصوات هتافات تنادي بإسقاط النظام السوري حينا والخلود للشهيد حينا آخر يقف محمد مع أصدقائه في صف واحد هاتفين لفقيدهم الذي قتلته قوات النظام في الخالدية بريف حمص أواخر 2011. في الأثناء، كانت قوات الأمن السوري تسارع إلى نشر حواجزها للبدء باعتقالات عشوائية جديدة بمحاذاة المقبرة.

بعد دقائق من انتهاء التشييع وجد محمد نفسه مع أكثر من ثلاثمئة شاب من رفاقه قد زج بهم في حافلات خضراء مكبلي الأيدي، تنهال عليهم عبارات شتى من الشتائم ويركلون بالأقدام.

لم يكن هذا المشهد اعتياديا بالنسبة لمحمد في بدء الأحداث في سوريا، فقبل أن يؤخذ هو ورفاقه إلى فرع الجوية بحمص سيقوا إلى ساحة فارغة داخل المدينة ظنوا أنها ساحة للشنق.

يقول إنهم وجدوا أنفسهم على مقربة من أحد الأحياء التي يقطنها العلويون، ثم ما لبث أن بدأت قوات النظام تنادي على النساء من هذا الحي قائلة “هؤلاء من أرادوا قتل أبنائكم.. فبدأت النساء يدعسننا بأحذيتهن العالية ونحن حفاة عراة لا نشعر إلا بخبطات أقدامهن فوق أجسادنا”.
معتقل مات تحت التعذيب في السجون السورية (وكالات)

شهور بالزنزانة
بعد ليال طويلة من التحقيق في فرع الجوية بحمص يصف محمد الحادثة العالقة في ذاكرته فيقول إنه أخرج مع أربعة معتقلين من زنزانتهم إلى زنزانة أضيق، وتم تهديدهم بالقتل بالرصاص مباشرة ما لم يعترفوا بتلقيهم أسلحة وأموالا من الخارج.

عم الصمت المكان لدقيقة وسمع محمد أول طلقة، يقول “سمعت الثانية والثالثة والرابعة، ثم ضربني أحدهم على رأسي بأخمص بندقيته وقلت في سري إنها النهاية”.

وتابع “لم أتمالك نفسي وأنا مغمض العينين، بدأت أرتجف لكن الصمت عاد ليعم المكان، ثم قالوا لي بصوت منخفض لقد عفونا عنك، يبدو أنك بريء، ولا تملك أي معلومات”.

عاد محمد إلى زنزانته مسلوب العقل لا يأكل ولا يتحدث لأحد، فقد علم أن هؤلاء الأربعة الذين أعدموا معه كانوا من أقرب أصدقائه.

ثم مرت شهور عاش فيها محمد أسوأ أيام عمره، كان الدخول إلى المرحاض في وقت محدد، وكان طعامه مصحوبا بالضرب كلما فتح الحارس البوابة ليسلمه إياه.

لكن فجأة أصبح عناصر الأمن يجلبون له طعاما أفضل ويعاملونه معاملة مختلفة تمهيدا لإطلاق سراحه بعد أن وقع على تعهد بعدم المساس بهيبة الدولة.
من معرض للأمم المتحدة عرضت فيه مجموعة من الصور المسربة لضحايا التعذيب في السجون السورية (الجزيرة)

آثار نفسية
الآثار النفسية والصحية التي عاناها محمد في سجنه لا يزال أثرها يشي بها إلى اليوم، فهو يعاني من كسر في قدمه وفقرة بظهره.

يقول محمد إنه يعتبر وجه المعاناة في قصته من أخف أنواع العذاب والألم قياسا مع ما يحصل في سجن صيدنايا وفروع النظام الأخرى.

وكانت منظمة العفو الدولية أصدرت في تقرير لها قبل أيام بعنوان “إنه يحطم إنسانيتك” وثقت فيه وفاة نحو 18 ألف معتقل في مراكز احتجاز حكومية بسوريا نتيجة التعذيب.

وإلى يومنا هذا لا يستطيع محمد أن يرى أي مشاهد عن المعتقلين، فهذه التفاصيل “تجعل حياته جحيما”، إذ كلما مرت عليه تجعله يتذكر أسوأ لحظات حياته وكأنها تحدث مرة أخرى أمام عينيه.

المصدر : الجزيرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى