ماذا يحدث في صحراء المفرق؟
ارتفعت وتيرة دخول اللاجئين السوريين الى الاراضي الاردنية خلال الاشهر القليلة الماضية ارتفاعاً غير مسبوق، وذلك من خلال 45 نقطة عبور خصصها الجيش الاردني لهذه الغاية، نقطتا “الحدلات” و “الركبان” التابعتين للواء الرويشد في محافظة المفرق شمال الاردن كانتا نقطتي العبور المركزيتين لدخول اللاجئين منذ بدء الازمة السورية، حيث ارتفع معدل عبور اللاجئين السوريين الى الاراضي الاردنية الى 300 لاجئ يومياً، بينما بلغت معدلات دخول اللاجئين في الفترة نفسها من العام 2015 حوالي 35-50 لاجئ يومياً، وذلك بحسب أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الاردن.
الحكومة الاردنية وإعلامها الرسمي يعزوان سبب هذا الارتفاع الى اقتتال الفصائل المسلحة في جنوب سوريا من جهة، وخروقات النظام السوري للهدنة من جهة اخرى، بينما كانت التصريحات الرسمية تتحدث عن تفاهمات مع معظم الفصائل الموجودة على مقربة من الحدود الاردنية، وصلت حد التفكير في إعادة فتح المعابر الحدودية مع الاردن وتقاسم عائداتها بين النظام السوري والفصائل، بالاضافة الى تنسيق اردني-روسي مشترك بشأن العمليات العسكرية في سوريا، ولو سلمنا جدلاً بصحة فرضيات اقتتال الفصائل وانهيار وقف اطلاق النار في الجنوب السوري، فالتصريحات التي صدرت عن قائد قوات حرس الحدود الاردني العميد صابر المهايرة، كشفت عن تحديات وتهديدات حقيقية للأمن الوطني الاردني نتيجة تزايد اعداد اللاجئين، تمثلت بالكلفة المادية لاستقبال اللاجئين واحتمالية استخدامهم لإدخال المتفجرات والمخدرات، فضلاً عن احتمالية تواجد عناصر ارهابية فيما بينهم.
الخطاب الرسمي الاردني، وتحديداً قبل انعقاد مؤتمر لندن للمانحين في شباط الماضي، غيّر من لهجته حيال مسألة استقبال اللاجئين، حيث اطلق الاردن حينها نداءات استغاثة للمجتمع الدولي مفادها ان الاوضاع في الاردن وصلت الى مرحلة “الغليان”، رافقها تلويح بإعادة النظر في آلية تدفق اللاجئين السوريين، كما منع الاردن حينها دخول 16 الف لاجئ الى اراضيه بحجة انهم قدموا من مناطق اقرب الى بلدان اخرى من الاردن، وسمح الاردن للوكالات الدولية بالوصول اليهم وهم داخل الاراضي السورية، في حين ان أعداد اللاجئين في الوقت الحالي آخذة بالتزايد، كما ان الاردن استقبل خلال الاسبوع الماضي 5490 لاجئاً سورياً قادماً من حلب التي تبعد حوالي 450 كم عن الحدود الاردنية، بينما لا تتجاوز المسافة من حلب الى مخيم كيليس للاجئين في تركيا 60 كم، فما الذي تغير طالما ان الاردن يستطيع وقف او حتى تقنين تدفق اللاجئين، ومساعدتهم ايضاً دون الحاجة الى عبورهم الى داخل الاراضي الاردنية؟!
التغيير الذي طرأ على مسألة استقبال الاردن للاجئين، حدث عقب انتهاء مؤتمر لندن للمانحين، فالدول الغربية لا تريد التورط في قضية اللجوء وتبعاته، كما ان الشريك التركي ما انفك يبتز اوروبا من اجل تحقيق المزيد من المكاسب، في حين ان ظروف الاردن الصعبة لن تدع له مجالاً لرفض الإغراءات المقدمة على طاولة المؤتمر في مقابل فتح الحدود الاردنية امام اللاجئين، حتى لو كانت تلك الاغراءات على هيئة قروض بقيمة 5.7 مليار دولار، تضاف مع فوائدها الى الدين العام، وعلى ضوء ذلك تعهد الاردن باستقبال المزيد من اللاجئين وتوفير فرص العمل لهم وبناء مدارس مخصصة لهم وغيرها الكثير من الخدمات، وبمصاحبة الدعاية الرسمية الممنهجة لحسن استقبال الجيش الاردني للاجئين، لك ان تتخيل تلك الصورة التي تشكلت لدى المواطن السوري الموجود داخل وطنه بعد كل هذه التعهدات، فهناك في الاردن ينتظرك دعم ورعاية وفرصة عمل، تم دفع تكاليفها سلفاً للحكومة الاردنية، فلا يمننّ احد عليك!
الفخ المحكم الذي وقعت فيه الحكومة الاردنية من اجل الاستمرار في استقبال المزيد من اللاجئين، ومنعاً لتراجعها عن التعهدات التي اعلنتها امام المجتمع الدولي والوعود التي قطعتها للمواطن الاردني، جاء عن طريق اشتراط المانحين في مؤتمر لندن ان يعمل الاردن على تنشيط اقتصاده بالاتفاق مع البنك وصندوق النقد الدوليين، وبذلك تم ربط مخرجات المؤتمر بتقرير صندوق النقد الدولي، وهنا كانت المفاجأة، فالبعثة الاردنية الى صندوق النقد برئاسة وزير المالية عمر ملحس سمعت ما لا يعجبها، حيث ابدى الصندوق عدم اقتناعه بالارقام التي اوردتها الحكومة سواءً في موازنتها العامة او في تقارير النمو الاقتصادي التي تصدر عنها، وكانت تصريحات الصندوق اشبه بعملية توبيخ للحكومة على أدائها الاقتصادي والتنموي، واعترف وزير المالية بأن الصندوق يمارس ضغوطاً على الاردن، كما طلب صندوق النقد من الاردن تخفيض نسبة الدين العام الى الناتج الاجمالي من 93% الى 80% في غضون ستة أشهر! بالاضافة الى رفع الدعم عن الخبز والماء، وتقليص حجم القطاع العام.
الحكومة الاردنية وفي ظل مطالب صندوق النقد غدت “كبالع الموس”، فلا هي تستطيع التراجع عن استقبال اللاجئين، ولا تملك –في ظل ظروف الاردن الحالية- القدرة على اتخاذ قرارات غير شعبية، وبين هذا وذاك، يستمر مسلسل استقبال اللاجئين وتوطينهم بشكل أو بآخر، على حساب الامن الوطني الاردني و “جيب” المواطن، ومع غياب خارطة طريق واضحة للتعامل مع قضية اللجوء السوري، ولأن تاريخنا في الاردن حافل بتصديق الوعود الكاذبة، فإن ما يحدث في صحراء المفرق هو سير بخطى ثابتة نحو المجهول!.