قبل عقود ،حينما كنّا تلاميذ مدارس ، كانوا يكرّرون لنا في أكثر من صف ومنهج قصّة المرحوم ديوجين و الإسكندر ، ملخّص القصّة أنّ الإسكندر المقدونيّ عندما احتلّ اليونان سمع عن شهرة الفيلسوف ديوجين ، فركب فرسه وذهب إلى لقائه، فوجده يعيش في برميل أكله الصدأ ، فوقف أمامه ، وحاوره قليلاً ، ثمّ سأله ماذا يريد من الإسكندر وسيحقّقه له فوراً .. فقال ديوجين :
– لا أريد سوى أن تبتعد عني قليلا ، فأنت تحجب نور الشمس عني .
وتكتمل الدراما حينما يزداد الإسكندر إعجاباً بديوجين ويقول :
– لو لم أكن الإسكندر ، لتمنّيت أن أكون ديوجين.
وقد نجحت هذه القصة العابرة للمناهج في تزايد إعجابنا بفقرنا المستتبّ ، لا بل أنّنا اعتبرناه ميزة على الأغنياء، الذين يتمنّون لو كانوا مثلنا .. لا بل أنّ بعضنا حاول أن يحمل مصباحاً في رابعة النهار باحثاً عن الحقيقة ، كما كان يفعل ديوجين .
تخيّلوا لو أنّ من كان يحكم آنذاك هو ديوجين مكان الإسكندر .. بالتأكيد سيكون العالم قد انتهى ، أو أنه ما يزال كما كان حوالي عام 320 قبل الميلاد.
أمّا الإسكندر المقدوني فقد ترك ديوجين في برميله وشرع في احتلال العالم ، حتى احتل كلّ العالم القديم تقريباً ، وهزم أكبر إمبراطوريّة في العالم ، الإمبراطورية الفارسية التي كانت تحتلّ مصر وكامل بلاد الشام والجزيرة العربية آنذاك، ثم احتلّ اجزاء كبيرة من الهند كان ينوي الذهاب إلى الصين ، لولا تمرّد جنوده عليه ورغبتهم في العودة.
طبعاً ارتكب الكثير من المجازر ، تحديداً في مدينة صور ، لكنّه بنى المدن الكبرى والمكتبات العظيمة ، ونشر المعرفة في أرجاء العالم ، وجعلها مادة شعبية للعالم أجمع .. وبالتأكيد فإنّ حركة الإسكندر ألقت حجراً كبيراً في مستنقع العالم ، فتحرّكت الشعوب ، ونهضت الإمبراطوريات، وتحوّل الرومان من مجرّد بدو يحاصرون أنفسهم في مدينة روما إلى إمبراطورية كبرى ورثت امبراطورية الإسكندر .
مصباح ديوجين الباحث عن الحقيقة ، فقد انقرض ، أمّا مصباح العلم الذي حمله الإسكندر فقد أضاء العالم .
يا فقراء العالم … لا تقدّسوا الفقر ولا تحترموه….الفقر مرض وجوع وظلم
لا تجعلوا الكبار يقنعونكم بأنّكم الأفضل .
أنتم لن تكونوا الأفضل ، إلاّ إذا استعدتم حقوقكم في الحياة ..حقّ السكن والتعليم والعمل بكرامة والحياة بمتعة.
يا فقراء العالم اتحدوا !!