
لن تخدعنا يا دولة الرئيس..!
في الجلسة التي عقدها مجلس النواب يوم الثلاثاء الموافق 19 / 4 / 2016 ، والتي خُصصت لمناقشة التعديلات الدستورية الأخيرة بصورة مستعجلة ، تضمنت مداخلات لرئيس الوزراء جافت الواقع وابتعدت عن الحقائق .
فإذا كان معظم نواب المجلس السابع عشر لا يقرأون ولا يجرؤون على تحمّل مسئولياتهم الوطنية ، وأدلوا بآرائهم المتسرعة في الموافقة المبدئية على التعديلات المقترحة من قبل الحكومة ، فإننا نحن الشعب نقرأ ونحلل ونعرف ما وراء تلك المقترحات ، إحساسا بمسئوليتنا الوطنية والأخلاقية تجاه الأردن الذي نتفيأ ظلاله .
تفضل دولته وقال في حديثه للنواب ” أن لا جدوى من حظر المناصب على مزدوجي الجنسية ” . وإذا كان هذا صحيحا فإن مسئولية المحاسبة تقع على كاهل السلطة التنفيذية التي يرأسها دولته ، لاسيما وأنه شخصيا يحمل الجنسية الكندية كما يُشاع . فإن كان ذلك صحيحا فإننا نسأله أيهما أعز على قلبه الجنسية الأردنية أم الكندية ؟
ثم أعلن دولته أمام من يفترض بأنهم نواب الأمة : ” . . . وليس صحيحا أن الولاء يكون مزدوجا بسبب هذه المادة ( منع ازدواجية الجنسية ) لأن الديمقراطيات العظمى لا تشترط هذا الشرط ولا تخشى منه ، والعمالة إلى الخارج لا تكون بهذا ، بل تكون بزعزعة القناعة في البلاد ومبادئه وما تقوم عليه “.
وللتأكد من صدق هذا الكلام ، سأستعرض فيما يلي شروط الحصول على الجنسية ، في بعض الدول العظمى التي أشار إليها دولته ، علما بأن الجنسية تعني الانتماء السياسي والقانوني للدولة التي يحمل الشخص جنسيتها . وعلى من يرغب بحمل الجنسية الجديدة أن يؤدي قَسَم الولاء Oath ) ) كالتالي :
1. الولايات المتحدة الأمريكية . ينص القَسَم على ما يلي : ” أعلن هنا وعلى القسم أنني أمتنع مطلقا وبشكل كامل عن الولاء أو الإخلاص لأي أمير أو ملك أجنبي أو دولة أجنبية أو أي جهة سيادية كنت في السابق من رعاياها أو مواطنيها. أقسم بأنني سأدعم وأدافع عن دستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة جميع الأعداء أجانب ومحليين. . وسأكون مخلصا حقا لكليهما ، وأن أحمل السلاح دفاعا عن الولايات المتحدة وسأؤدي المهام غير القتالية في قوات الولايات المتحدة . . وسأقوم بأداء الأعمال ذات الأهمية القومية وفق التوجيهات المدنية إذا ما تطلبها القانون . إنني أقدم على هذا الالتزام بكامل وعيي وإرادتي دون أي تحفظات عقلية أو أي قصد ، فساعدني يا إلهي على ذلك “.
وهناك خمسة مبادئ أساسية ينبغي أن يلبي من يؤدي الولاء للولايات المتحدة الأمريكية متطلباتها وهي :
أ. مطلق الولاء والإخلاص لدستور الولايات المتحدة .
ب. التخلي والامتناع عن موالاة أي بلد أجنبي ، كان مكتسب الجنسية يكن له ولاء قبل ذلك ( أي وطنه الأصلي ) .
ت. الدفاع عن الدستور الأمريكي في مواجهة الأعداء .
ث. التعهد بالعمل في القوات الأمريكية المسلحة قتاليا أو غير ذلك .
ج. التعهد بأداء ما يُكلف به من مهام مدنية ذات أهمية قومية .
2. المملكة المتحدة ( بريطانيا ) . ينص القَسَم على ما يلي : ” أنني ( يذكر الاسم كاملا ) أقسم بأن أكون وفيا ومخلصا حقا لصاحبة الجلالة الملكة إليزابت الثانية وأبناءها وأحفادها ومن يخلفها وفقا لما يمليه القانون ، فأعنّي يا إلهي على ذلك “.
3. كندا . ينص القَسَم للحصول على جنسيتها أو حق المواطنة فيها ، وهو حق ملزم قانونا ويؤدى شفاهة ، ثم يتم التوقيع عليه كتابة لتأكيد تعهد المواطن الجديد بطاعة القوانين وتقاليد البلاد الجديدة ، لكي يمارس حياته كمواطن كندي : ” إنني هنا أقسم بأن أكون وفيا وكامل الولاء والإخلاص ، لصاحبة الجلالة الملكة إليزابت الثانية ملكة كندا ولأحفادها ومن يخلفها، ووفيا لقوانين كندا، وأن أؤدي واجباتي كمواطن كندي”. ويحق للآباء التوقيع عن أبنائهم تحت سن الرابعة عشرة.
4. ألمانيا . من أهم شروطها التنازل عن الجنسية الأصلية ، وإتقان اللغة الألمانية ، والإقامة في البلاد لمدة لا تقل عن 8 سنوات ، وأن يكون مقتدرا ماليا .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل تتوافق هذه الشروط مع ما تفضل به دولته ، أم تتناقض معها وتقدم لنا عكس أقواله تماما ؟ فإذا كان دولته يمارس علينا الخداع الإعلامي ، فقد سبقه بذلك جوبلز وزير إعلام هتلر عندما قال : ” أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي “. ولكننا في الأردن نقول اليوم : أعطني رئيس وزراء ماهر في قلب الحقائق ، أعطك نوابا يبصمون بما تطلب .
من الواضح أن التعديلات القترحة تتنافى مع روح الدستور ، الذي نظم حياتنا السياسية والقانونية والاجتماعية منذ عام 1952 وحتى الآن بصورة دقيقة . إلا أن اختراقه وتعديله هذه الأيام أصبح أسهل من اختراق وتعديل النظام الداخلي لأي مؤسسة في الدولة ، مخالفين بذلك المبدأ الفقهي الذي ينص على استقرار القوانين والأنظمة .
تقول صحيفة الرأي ( الواحد ) الأردنية : ” أنه ليس صحيحا بأن هذه الشريحة من أبناء الوطن مزدوجي الجنسية ، هم مزدوجي الولاء مما أضاع على البلد خبرات مهمة فضلت الانسحاب من المشهد العام . وأن منع تولي مزدوجي الجنسية مناصب عامة ، طرَدَ عشرات من الخبرات والكفاءات التي تحتاجها البلاد ، ومعظمهم من الأردنيين الذين هاجروا أو أتموا دراستهم في الخارج ” .
وهذا الكلام لا ينطلي على شعب واع ومثقف يا محرر الصحيفة ، ولا يقنع طلاب الصفوف الابتدائية . فالذين هاجروا كانوا يبحثون عن مصالحهم الاستثمارية ، وليس من الضروري عند عودتهم إلى البلاد إشغالهم لمناصب حكومية هامة ، يديرونها على أسس تجارية . أما الطلاب الدارسون في الخارج فلا يشترط حملهم جنسية البلد الذي يدرسون فيه . والأردن مليء بالكفاءات العلمية والخبرات التي تستطيع تطوير مختلف مناحي الحياة ، ولكنها محاربة من الاحتكاريين وتضطرها إلى الهجرة ، للاستفادة من خبراتها خارج الأردن .
ولكي لا يُساء فهمنا لهذا الموضوع نقول : نحن لسنا ضد من يحملون جنسية مزدوجة فهذا شأن خاص بهم ، ولكننا نرفض أن يتولى مثل هؤلاء وظائف سيادية في الدولة حفاظا على أمننا الوطني ، لكونهم يحظون بحماية أجنبية يفترض أن يكونوا مخلصين لها .
وعودا على مداخلات الرئيس في مجلس النواب فقد قال دولته في ختامها : ” وإذا قُدّر للتعديلات أن تنجح وتمر في هذه القبة المباركة ، فسوف يُسجّل لهذا المجلس ويُسجّل لهذه الحكومة التعديلات الدستورية ” . ونحن نقول لا بارك الله بهذه القبة ، إذا مرت تلك التعديلات غير الإصلاحية من تحتها ، لأنها ستسجل في صفحة سوداء جديدة لهذا المجلس ولهذه الحكومة ، الذين أرهقوا الشعب بقراراتهم الجائرة .
المقر