في الوقت الذي كانت #اعتصامات #المتعطلين عن العمل حاضرة في مختلف محافظات المملكة وبقوة خلال السنوات الماضية، نجد أن العام الحالي جاء بخلاف ذلك، فهو لم يشهد أي اعتصامات تُذكر للمتعطلين منذ بدايته وحتى اللحظة.
يأتي ذلك على الرغم من وصول معدلات #البطالة لمستويات عالية مقارنة مع معدلات البطالة التاريخية في #الأردن، ومعدلاتها في غالبية دول العالم، إذ بلغ معدل البطالة خلال الربع الأول من العام 2023 الحالي (21.9) بالمئة، وفق تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة الأربعاء الماضي.
وأشارت نتائج التقرير إلى أن (54.9) بالمئة من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، وأن (44.7) بالمئة من إجمالي المتعطلين كانت مؤهلاتهم التعليمية أقل من الثانوي.
أسباب غياب المتعطلين عن الشارع
تَواصل “المرصد العمالي الأردني” مع متعطلين عن العمل في محافظات مختلفة وبخاصة من الذين نفذوا اعتصامات طويلة العام الماضي، لمعرفة أسباب عدم تنفيذهم أي حِراكات احتجاجية منذ بداية العام الحالي.
خالد الحمايدة، وهو أحد المتعطلين المحتجين في لواء فقوع بمحافظة الكرك البالغ عددهم نحو 20 متعطلا، يقول إنه منذ بداية العام الحالي وحتى الآن لم يُنفذوا أي إجراء احتجاجي، على الرغم من أن مطالبهم لم تُلبى.
وبين الحمايدة أن السبب الرئيسي لعدم تنفيذهم أي احتجاجات هو عدم وجود أي استجابة لمطالبهم من قبل الحكومة، ما أشعرهم أن الاحتجاجات لا جدوى لها.
ويعبر بالقول: “نفذنا اعتصامات لأيام طويلة وصلت لأكثر من 90 يوما على التوالي داخل خيمتنا خلال العام الماضي، لكن بدون أي استجابة ولا حتى أدنى اهتمام من قبل المسؤولين، ونشعر أننا لو اعتصمنا لسنة كاملة لن تُلبى مطالبنا”.
كما أن الضغوطات الحكومية التي كانوا يتعرضون لها خلال اعتصاماتهم الماضية كانت سببا أيضا لتعليق احتجاجاتهم، وفق الحمايدة، الذي بين أنهم قرروا مرات عديدة تنفيذ مسيرة احتجاجية مشيا على الأقدام نحو الديوان الملكي بالعاصمة عمان العام الماضي، إلا أن الأمن كان يمنعهم دائما، ما اضطرهم إلى الاكتفاء بالاعتصام داخل خيمتهم.
وألمح الحمايدة إلى وجود بوادر لديهم للعودة إلى الاعتصامات خلال الفترة المقبلة، وأشار إلى أنهم سيجتمعون قريبا لتحديد موعد الاعتصام، على أمل تلبية مطالبهم المتمثلة بتوفير فرص عمل لائق لهم.
في حين يقول مهند الرعود، وهو أحد المتعطلين المحتجين في حي الطفايلة بعمّان البالغ عددهم نحو 35 متعطلا، إن سبب تعليقهم اعتصاماتهم هو تجاهل مطالبهم باستمرار، ما أشعرهم بالخيبة والإحباط، على الرغم من أنهم كانوا يعتصمون بالقرب من الديوان الملكي.
ولفت الرعود إلى أن اعتصامهم السابق الذي جاوز الـ70 يوما على التوالي لم يُسفر سوى عن وعود من المسؤولين لم يفوا بها.
كما أن هناك سببا آخر لتعليق اعتصامهم وهو الظروف الجوية الباردة والماطرة التي مرت بها المملكة في الأشهر الأولى من العام الحالي.
بينما يقول المتعطلون عن العمل في بلدة عيمة بمحافظة الطفيلة إن هناك سببين رئيسين لتعليق اعتصاماتهم، الأول: أنه لا توجد أي استجابة لمطالبهم على الرغم من أن اعتصامهم خلال العام الماضي صُنّف كأطول اعتصام في تاريخ المملكة، إذ وصل إلى 190 يوما على التوالي أمام مبنى المحافظة وتخلله مسيرات احتجاجية نحو العاصمة عمان وإضراب عن الطعام استمر أربعة أيام متتالية.
والسبب الآخر هو التضييق الأمني الذي كانوا يتعرضون إليه، إذ جرى توقيفهم في المراكز الأمنية مرات عديدة ومنعهم من إكمال مسيراتهم الاحتجاجية، ناهيك عن قطع الإنترنت عن المنطقة من أجل منعهم من بث الاعتصام عبر الفيسبوك، وتشييك وإغلاق مدخل مبنى المحافظة، وهو مكان اعتصامهم القديم، لمنعهم من الاقتراب منه.
وكان هؤلاء المحتجون البالغ عددهم نحو 40 متعطلا أكدوا، في بيان سابق لهم، أنهم سيعودون للاعتصامات قريبا، وسيكون أمام مبنى المخابرات في مدينة الطفيلة، بدلا من مبنى المحافظة.
وأوضحوا أنهم سينفذون مسيرات يومية على الأقدام تنطلق من أمام جامعة الطفيلة التقنية وصولاً إلى مبنى دائرة المخابرات.
أما بالنسبة للمتعطلين في محافظة مأدبا وبلدتها ذيبان وبلدة الجفر في معان، فأوضحوا أن تعليق اعتصاماتهم يعود إلى ذات الأسباب وبخاصة التجاهل المستمر لمطالبهم.
وجاوز اعتصام المتعطلين في الجفر الـ140 يوما على التوالي خلال العام الماضي، في حين جاوز اعتصام المتعطلين في بلدة ذيبان الـ110 أيام، أما اعتصام المتعطلين في مدينة مأدبا، فقد وصل إلى 80 يوما.
لماذا لا يُستجاب لمطالب المتعطلين؟
يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن المشكلة تكمن في عدم قدرة الاقتصاد الأردني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وإن توافرت؛ فإما أن تتطلب مهارات محددة لا تتناسب مع مهارات المتعطلين أو أنها تكون مناسبة فقط للعمالة المهاجرة.
ويرى عايش أن هذه الإشكالية يُعاني منها الاقتصاد الأردني منذ سنوات طويلة، ولا توجد أي بوادر لتصويبها، ما أدى إلى وصول معدلات البطالة إلى مستويات عالية.
كما أن هناك إشكالية أخرى، وفق عايش، وهي أن معظم المشاريع والاستثمارات لا تُنتج فرص عمل مستدامة ولا تكون متاحة لجميع المتعطلين عن العمل.
ويشير إلى أن فرص العمل وإن توافرت، فإن الأجور العائدة منها بالكاد تكفي المستلزمات والاحتياجات الأساسية، وهذا يعود إلى أن مستويات الأجور في الأردن منخفضة أصلا، وتحتاج إلى إعادة النظر باتجاه رفعها بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن.
ويعتقد عايش أن هناك سببا آخر لعدم تلبية مطالب المتعطلين المعتصمين، وهو أن الاعتصامات التي يُنفذها هؤلاء المتعطلون يُنظر إليها بطريقة تحول دون التعامل معها بشكل إيجابي وجدّي.
ويوضح أن بعض المسؤولين يرونها تشويشا على عمل الحكومة، وبعضهم الآخر يراها تخص فئات معينة تحاول إيصال صوتها لكي تحصل على وظائف معينة.
وهناك أسباب أخرى أيضا لعدم قدرة الاقتصاد الأردني على توليد فرص عمل كافية، أوردها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية تقارير ودراسات عديدة، أحدها أن برامج التشغيل التي طبقتها الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية خلال السنوات الماضية لم تُفلح في الوصول إلى هدفها.
والدليل على ذلك، وفق المركز، مستويات البطالة العالية والتراجع في عدد الوظائف المستحدثة، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية تراجعا ملموسا في عدد الوظائف التي يستحدثها الاقتصاد الأردني، فقد تراجعت من 70 ألف وظيفة جديدة في عام 2007 إلى 38 ألفا في عام 2018، وتراجعت بشكل ملموس خلال عامي 2020 و2021 نتيجة تداعيات جائحة كورونا، إلى جانب استمرار تطبيق السياسات الاقتصادية ذاتها منذ سنوات.
فهناك العديد من الحلقات المفقودة في برامج التشغيل الحكومية، أولها: أنها لم تستهدف السبب الأساسي في ارتفاع معدلات البطالة، الذي يتمثل في تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وهذا يعود إلى اختلالات في السياسات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد والمجتمع بالضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة (المقطوعة) والرسوم الجمركية، ما أضعف قدرات الاقتصاد على النمو الشمولي الكافي.
كذلك، هنالك حلقة مفقودة أخرى في هذه البرامج تتمثل في عدم مراجعة سياسات التعليم، التي أسهمت بشكل ملموس في زيادة معدلات البطالة، حيث التوسع في التعليم الجامعي الأكاديمي على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني، بينما حاجات سوق العمل كانت تتجه نحو الوظائف الفنية والمهنية والمتوسطة، وما تزال الحكومات تسير بالنهج ذاته، ولم تستهدف معالجتها في أي من برامج التشغيل.
كما تفتقر برامج التشغيل، وفق المركز، إلى حلقة أساسية أخرى تتمثل في عدم استهداف الضعف الكبير في شروط العمل في معظم فروع القطاع الخاص، وعلى وجه الخصوص مستويات الأجور المنخفضة، من خلال تطبيق ما يطلق عليه سياسات العمل “المرنة”، خضوعا لفرضيات خاطئة تقول إن الأجور المنخفضة وشروط العمل الضعيفة تسهم في تشجيع الاستثمار المحلي على التوسع وجذب الاستثمارات الخارجية، وأن هذه الاستثمارات ستؤدي إلى توليد مزيد من فرص العمل، إلا أن النتائج التي نراها في الوقت الراهن تؤكد خلاف ذلك.
ويبحث معظم المتعطلون عن العمل عن وظائف في القطاع العام، بسبب ضعف الحمايات الاجتماعية في القطاع الخاص.