كيم جونغ-اون ودونالد ترامب : الفشل الناجح
وليد عبد الحي
كنت في عام 2017 قد قلت في مقال سابق حول نزع السلاح النووي الكوري ان التفاوض بين التاجر (الامريكي) والفاجر ” الكوري الشمالي” لن ينتهي الى نتيجة ولن تتخلى كوريا عن سلاحها النووي، وهو ما تأكدت بوادره في الساعات القليلة الماضية .
يقول المثل الشعبي الكوري ” قد تجر الحصان للنهر لكنك لن تجبره على الشرب”، فقد تمكنت الولايات المتحدة عبر سلسلة من الضغوط السياسية والاقتصادية والمناورات العسكرية التي تنطوي على التهديد المباشر بخاصة مع كوريا الشمالية من اجبار الرئيس الكوري الشمالي ” كيم جونغ أون “على التوقف عن اجراء التجارب النووية وعلى الوعد بنزع السلاح النووي، لكن جولة المفاوضات الحالية 27 فبراير انتهت الى الفشل ولم يتم الاتفاق على أي شيء بل ان ترامب غادر قبل الموعد المقرر.
لكن التقييم الموضوعي يشير الى ان المفاوضات سارت حتى الآن لصالح “الفاجر” على حساب “التاجر”، وهو ما تكشفه الجوانب التالية:
1- ان دخول كوريا الشمالية في المفاوضات لجم الدبلوماسية الامريكية وحال دون استمرار التصعيد ضدها لا سيما ان ترامب قال في مرحلة سابقة ان يده على الزر النووي وان كل الخيارات مع كوريا الشمالية على الطاولة، ولكن ترامب الآن يعد بالوصول لنتائج لاحقا(متى ؟؟؟)، وهو ما يعني أنه لم يحقق نتائج حالية وان تهديداته لا تتجاوز دبلوماسية ” عرض العضلات”، بينما نجح كيم في تحويل التفاوض الى اسفنجة امتصاص لاحتقانات العلاقة الامريكية الكورية.
2- ان قبول كوريا الشمالية بالتفاوض أوقف المناورات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية بكل ما تنطوي عليه هذه المناورات من تهديد غير مباشر .
3- ان الدخول الكوري في التفاوض حقق مطالب صينية طالما طالبتها بكين بها، لكن ” كيم جونع” لم يخسر شيئا من هذا التفاوض، فارضى كيم حليفه الصيني والروسي دون ان يخسر شيئا.
4- الوعود الامريكية بمنافع اقتصادية لكوريا الشمالية، ورغم ان هذه الوعود لن تنفذ حتى الآن إلا انها تعني عدم اتخاذ الولايات المتحدة اجراءات اقتصادية جديدة ضد كوريا الشمالية ، وهو امر يشكل مكسبا لكوريا الشمالية.
والملاحظ ان كوريا الشمالية تتحدث عن نزع ” سلاح نووي” وليس عن نزع ” السلاح النووي”، أي ان كوريا كما تبين من هذه الجولة وباعتراف ترامب ان كيم عرض التخلي عن مواقع نووية وصفها ترامب بأنها ليست مهمة ، مقابل رفع الحصار “وكل” العقوبات عن كوريا، أي ان كوريا تفاوض على ” تخفيض” ترسانتها النووية وليس نزعها ، أي انها ستبقى دولة نووية وهو ما يجعلها قادرة على الرد على أي تهديد نووي، وقد اشرت في مقال سابق الى ضرورة التنبه للمصطلحات المستخدمة في هذا الموضوع، وقد قلت في مقال في ابريل العام الماضي ما يلي:
1- ضرورة إدراك الفرق بين “النزع ” و ” التخفيض ” و ” عدم الانتشار” ، فالتعبيرات المستخدمة في الاتفاقيات الدولية هي:
أ- nuclear disarmament: وهي تعني ” إجراءات تقليل او تحديد كمية او نوعية السلاح النووي.
ب- Denuclearization: إزالة المواد والبنية التحتية التي تستخدم في انتاج الاسلحة النووية
ت- nuclear nonproliferation: ويعني ابقاء الدول الخمس النووية مع منع انتقال المواد او البنيات التحتية لانتاج السلاح النووي من اية دولة لأخرى.
ث- ضرورة التمييز بين الاسلحة الاستراتيجية ( وهي التي يتم ضربها بواسطة الصواريخ العابرة للقارات او القاذفات او الغواصات بعيدة المدى) والاسلحة التكتيكية( التي تقتصر استعمالاتها على ميدان المعركة المباشر)، وهو امر يتضح في ان كل اتفاقية تحدد هل هي خاصة بالاستراتيجية ام التكتيكية ام كليهما.
ولعل مراجعة اتفاقيات سولت 1 وسولت 2 وستارت 1 وستارت 2 وستارت 3 او اتفاقية سورت (2002) يشير الى ان التطبيق غير مشجع منذ 1968، مع ملاحظة انها وردت تحت اسم مراقبة او ضبط( control)
ذلك يعني ان متابعة الملف الكوري يستدعي التنبه جيدا للتعبيرات التي يجري استخدامها رغم ان هناك تلاعبا بافق هذه التعبيرات بين الحين والآخر.
إن كوريا الشمالية تدرك ان الولايات المتحدة ضربت العراق وليبيا وسوريا وتحاصر الآن فنزويلا وتهدد بتدخل عسكري فيها وضربت افغانستان ..لأن كل هذه الدول ليست دولا نووية، وتحاول ان تمنع ايران من امتلاك السلاح النووي لكي تبقى قادرة على التدخل فيها متى شاءت…لذا فإن كوريا لن تتخلى عن ” سيفها النووي” لأنه تدرك عواقب ذلك.
لقد أجبر ترامب الحصان الكوري على الذهاب الى النهر..لكنه لم يتمكن من اجباره على الشرب…