كورونا … بين اجراءات الحظر ومسارات العلاج / د. نبيل الكوفحي

كورونا … بين اجراءات الحظر ومسارات العلاج
د نبيل الكوفحي
رغم كل الاجراءات التي اتخذت سابقا وحاليا فقد ثبت أن الاصابات تتزايد رغم حظر ايام الجمع وما بعد الساعة التاسعة ليلا خلال الاسبوعين السابقين.
ولا أتوقع ان إجراءات الحظر الجديدة من الساعة السابعة ليلا ستحدث أثرا ذا قيمة في تخفيض تعداد الاصابات ومحاصرة الوباء.
وبعد مرور عام على دخوله البلاد والبدء في اجراءات الحظر والعلاج أصبح واضحا ان التجربة نضجت لمن يريد أن يقرأها وان عنصر المداهمة الذي أحدث أزمة والذي استلزم اتخاذ اجراءات تجريبية واستبدالها حال فشلها لم يعد مقنعا، ولا زالت مشاهد باصات توزيع الخبر والمخابز. حاضرة في أذهان الناس، بالاضافة لتراكم التجارب البشرية والدروس المستخلصة لكل أنواع الاجراءات التي تمت تجربتها.
كما ان تصدر الاردن الى قائمة الدول الاكثر نسبة بالاصابات ( قياسا لعدد السكان) في الشهور الاخيرة رغم أننا كنا من افضل الدول في التعامل مع الازمة خلال النصف الاول من عمر الجائحة. رغم الثمن الاقتصادي الباهض الذي دفعناه جميعا.
ثبت أيضا أن الكلف والاثار الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية الاخرى تزداد بزيادة اجراءات الحظر واتساعها، الى درجة انهيار قطاعات بأكملها خلال عام تعطلت فيه كليا كما حال قطاع السياحة وصالات الافراح وسكنات الطلاب الجامعية وتأثر كل القطاعات الاخرى بما فيها القطاع الخاص في الصحة.
يبدوا أننا لا زلنا نلحأ لبعض إجراءات أقرب ما تكون عقابية من الوقائية.
الاستراتيجة التي ينبغي اعتمادها من وجهة نظري كمراقب بشكل متابع لمًا يتم اتخاذه من اجراءات محليا وعالميا؛ أن المعركة مع هذا الوباء طويلة، وان الوقاية منه ليست قطعية حتى لمن أخذ اللقاح أو أصيب به، فقد سجلت حالات كثيرة بتكرار الاصابة واصابة من تلقوا اللقاح، بالاضافة ان بعض الدراسات أشارات ان فاعلية اللقاح للغالبية لمن تلقوه ستكون ذات فترة محدودة وليست مطلقة كحال اللقاحات المعروفة لغالبية الامراض التي يتم استعمالها.

أمام هذه المعطيات فأعتقد ان الاستراتيجية الأكثر فاعلية تكمن في النقاط التالية ؛

أولاً؛ اللقاحات
١- التسريع في اعطاء اللقاح خاصة للفئات الاكثر حاجة له لعوامل ضعف الصحة الذاتية لديهم ككبار السن ( من فوق الستين عاما) او المخالطة او المخاطرة كالاطباء والممرضين ورجال الشرطة وموظفي الخدمة العامة الذين لا مجال للاستغناء عن خدماتهم ومنهم اصحاب المحال التجارية التي تعتمد على البيع اليومي والمخالطة المستمرة مع الناس والخدمات المباشرة كالسائقين والحلاقين وصغار الحرفيين وغيرهم.
٢- زيادة منسوب القناعة باللقاحات من خلال حملات توعية يقودها اطباء من خارج اصحاب المسؤوليات الحكومية وبالضرورة ليسوا ساسة ومسؤولين.

ثانياً؛ التوعية والوقاية
٣- اطلاق حملة اعلامية واسعة بمشاركة كل الوسائل الاعلامية العامة والخاصة تهدف الى زيادة الوعي الذاتي في ضرورة تقليل الانتشار الا لحاجة ومنها زيادة الوعي الفردي والأسري حول أهمية اجراءات الوقاية وتقليل الاختلاط داخل المنزل، اذ ثبت ان اكثر حالات العدوى ناتجة عن المخالطة داخل المنزل، وكم تعرض كبار السن الذين لا يخرجون الى عدوى ابنائهم الشباب.
٤- مشاركة أئمة المساجد والمعلمون واساتذة الجامعات بشكل يومي في التذكير بمجموعة من النصائح والارشادات ( يتم اعتمادها بشكل جمعي) التي تساهم في رفع مستوى القناعة باجراءات الوقاية الطبية الضرورية.
٥- مساهمة الحكومة والمؤسسات الكبرى في القطاع الخاص في توزيع الكمامات خاصة في اماكن الخدمة العامة وزيادة المعقمات اذ لا زال هناك مشكلة لدى الكثيرين في استبدال الكمامات بشكل دوري ( ولا اقول يومي) لاسباب متعلقة بالقناعات والامكانات.
ثالثا: دراسة المناطق والاماكن والمهن الاكثر عدوى
٥- من الضروري وقد اصبح لدى الجهات الرسمية معلومات عن قرابة نصف مليون اصابة ان تجري دراسة تحليلة لهذا الكم الكبير من المعلومات بحيث يتم استخلاص النقاط الاكثر تاثيرا ونشرا للعدوى، ويمكن الاستعانة بالمختصين من اساتذة الجامعات في علوم الصحة العامة والاحصاء وعلم الاجتماع. بالتأكيد لست مطلعا على دقائق الامور في ادارة الازمة لكن المخرجات تشير الا أننا لا زلنا نعمل على منهجية اطفاء الحرائق.
٦- اذا تم تحليل المعلومات بالتاكيد سيتم توجيه الجهود والامكانات (وهي محدودة) الى معالجة العوامل الاكثر تاثيرا والحاحا، وقد تكون عوامل غير منتبه لها، على سبيل المثال الاحظ شخصيا اكتظاظ فوق العادة في عيادات وزارة الصحة والمستشفيات وبعض مراكز الخدمة الحكومية كالاراضي والضمان الاجتماعي والجوازات، وكل الاماكن التي شاهدتها لا يوجد فيها عوامل اتساع في المكان او تهوية طبيعية مناسبة ، فحتى مع ارتداد الكمامات فان البيئة العامة للهواء في مثل هذه الاماكن ملوثة، وبالتالي فاحتمال العدوى مرتفعة.
٦- ان وجود اماكن فيها انعدام لاجراءات الوقاية وحتى الحظر، ستشكل نقاط وبؤر ذات خطورة عالية ومتجددة، اذ ان الاختلاط بين كافة انحاء البلاد لازال ممكنا، ومع تقديم الاحترام لكل المواطنين والمقيمين، فلا بد من الاعتراف ( حسب ما اسمع من اصدقاء هناك) أن اجراءات الحظر وعدم انتقال المواطنين في كثير من القرى واطراف المدن والاحياء لا وجود لها، او ضعيفة،
٧- إن المعالجة الامنية لها لا يمكن ان تكون فاعلة، فهذا يحتاج لاجراءات خاصة لتعزيز القناعات بالتدابير الوقائية وتعزيز دور القيادات العشائرية والجمعيات والاندية بهذا الدور.

رابعاً: نصائح عامة
٨- اظن (وليس كل الظن إثم) ان اتساع الاجراءات الامنية التي تعتمد على المخالفات والاغلاقات تمثل عائقا نفسيا لدى الكثيرين من تعزيز القناعة بالالتزام وان حجم التزايد في الاصابات بدلل على هذا الظن. وان تقييم عمل كثير من هذه المؤسسات يشير الى عدم التزامها فيما تدعوا الناس له او تعاقبهم عليه، ويكفي ان نذكر بماكان يتم من اجراءات القاء القبض على المخالفين وحجزهم.
٩- اتمنى على الجهات ذات الاختصاص بادارة الازمة مركزيا وفي كافة اذرعها ان تبادر للاستفادة من كل الخبرات والاختصاصات وان تدرك ان ادارة هذا الملف ليس صحيا او أمنيًا فقط وليس يهمها وحدها دون بقية المواطنين، بل هناك جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية بالاضافة لاتساع الفقر والبطالة وتاثيرهما على السلوك الجمعي للناس، وان تتًسع صدورها للاراء المخالفة وان كانت ذات اصوات مرتفعة.
١٠- لا بد من دراسة كافة اشكال الدعم المادي التي قدمت بشكل مباشر او غير مباشر، واعادة التفكير بفاعليتها في تخفيف اثار الحائحة، وشمولها للمصابين من اصحاب الدخل اليومي لمساعدتهم في الالتزام بالحجر المنزلي في حال اصابتهم.

حمى الله الاردن؛ مواطنين وضيوفا من هذا الوباء، وكل بلاد العالمين. وبارك في كل الجهود التي بذلت وتبذل في هذا المجال سواء أصابت او أخطأت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى