كمال ميرزا يكتب .. هل الوحدة الوطنية “أمر مقدس” حقاً؟ وهل “الأردن أولاً” حقاً؟

#سواليف

كتب #كمال_ميرزا
هل #الوحدة_الوطنية “أمر مقدس” حقاً؟ وهل ” #الأردن_أولاً ” حقاً؟-

في تصريحاته الأخيرة أكّد رئيس الوزراء الأردني الدكتور ” #بشر_الخصاونة” أنّ “الوحدة الوطنية” هي “أمر مقدّس”.. فهل هي كذلك حقّاً؟ وهل هذا الحُكْم يسري على الجميع أم أنّها مجرد خطابة وتنميق كلام؟!

هل الوحدة الوطنية أمر مقدّس فقط بحق الذين يخرجون ويمارسون حقهم الدستوري بالتظاهر والتعبير عن الرأي، وإبداء تضامنهم، ولو من قبيل أضعف الإيمان، مع أشقائهم في غزّة، ومحاصرة سفارة الكيان الصهيوني في الأردن.. ولكنّها ليست أمراً مقدّساً بحق الذين يُحرّضون على #المتظاهرين ويُجيّشون ضدّهم بأسلوب مُغرِض ومُزاوِد؟

وماذا عن الذين يستخدمون خطاباً عنصريّاً جهويّاً قبليّاً فئويّاً في معرض تحريضهم وتجييشهم؟

وماذا عن الذين يطعنون في #وطنية المتظاهرين ويشكّكون في انتمائهم وإخلاصهم؟

وماذا عن الذين يطالبون باستخدام الشدّة والعسف والتنكيل مع المتظاهرين؟

وماذا عن الذين يطالبون بسحب جنسيات المتظاهرين، وكأنّ المسألة لعبة، وكأنّ الجنسية مِنيّة أو فضل، أو كأنّها اشتراك في نادٍ رياضي أو منتجع صحيّ تستطيع إدارة النادي إلغاءه أو تعطيله أو عدم تجديده كيفما تشاء؟! والمفارقة أنّنا لا نجد هؤلاء الذين يتعاملون مع الجنسية وكأنّها “صك غفران” يُمنح لهذا ويُسحب من ذاك يُبدون نفس التشدّد والحسّ الوطني العالي إزاء “تسليع الجنسية” بذريعة “تشجيع الاستثمار”، بحيث أصبح أي عابر سبيل يستطيع نظرياً شراءها تحت مسمّى “مُستثمر” طالما أنّه يمتلك الملاءة المالية اللازمة!

وماذا عن الذين يُطلّون عبر شاشات ومنابر خارجية وأجنبية لممارسة تحريضهم وتجييشهم وإضعاف الجبهة الداخلية؟

أليست الوحدة الوطنية أمراً مقدّساً بحق هؤلاء جميعاً أيضاً، أم أنّ الوحدة الوطنية فيها “خيار وفقّوس”؟!

وكما شاهدنا عشرات الاعتقالات لمتظاهرين بذريعة نصوص قانونية واسعة وفضفاضة، لماذا لم نسمع ولو بحالة اعتقال واحدة بحق أحد المحرّضين والمجيّشين والعابثين بالوحدة الوطنية بدافعٍ من عنصريّته، أو لصالح انتماءاته وحساباته الضيقة؟

بل أليست الوحدة الوطنية أمراً مقدّساً بحق رئيس الوزراء نفسه، والذي نجده وهو يتحدّث عن الوحدة الوطنية لا يفوّت الفرصة لأن يقوم هو الآخر بالغمز في قناة المتظاهرين من “تحت لتحت” من خلال حديثه عن الذين يحاولون “حرف البوصلة نحو أجندات وتيَّارات فصائليَّة وحزبيَّة لا تخدم القضيَّة الفلسطينيَّة”؟!

حسنا دولتك، وماذا عن الذين يحاولون حرف البوصلة نحو أجندات شخصية، أو شبكة مصالحهم و”بزنسهم” هم وأولادهم وأفراد عائلاتهم وشللهم، أو الأدوار الوظيفية التي يقومون بها لحساب قوى خارجية ومموّلين ومانحين أجانب؟!

ومع هذا فإنّ أخطر جزئيّة تضمنتها تصريحات “الخصاونة” ليست انتقاده للمتظاهرين وهجومه الضمني عليهم، وإنّما قوله بكل امتلاء وثقة: “وما يحكمنا في التضامن مع الأشَّقاء الفلسطينيين وقضيَّتهم العادلة هو المصلحة والحقوق الفلسطينيَّة المشروعة”!

مشكلة كبرى إذا كان هذا هو المنطق الذي يحكم تفكير رأس هرم السلطة التنفيذية في الأردن، وصاحب ولايتها العامّة المُفتَرضة، وموقف الحكومة التي يترأسها من حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني الغاصب على الشعب الفلسطيني!

فالذي يجمع بين الأردنيين والفلسطينيين (وسائر العرب) ليس مجرد “التضامن” وإنّما “وحدة المصير”!

والذي يحكم وحدة المصير هذه ليس “المصلحة”، وإنّما الواجب الديني، والوازع القومي والأخلاقي، وأخوّة الدم والتاريخ.. ثم تأتي المصلحة “عاملاً تابعاً” لجميع هذه الاعتبارات!

ويزداد الفزع من كلمة “المصلحة” هنا بكون هذه الكلمة قد تمّ تكريسها خلال السنوات الأخيرة بحيث أصبحتْ تشير فقط إلى كلّ ما هو مادي واقتصادي وبيع وشراء ومال وأعمال على حساب أي اعتبار آخر، ومن ثم حصرها في نطاق مصلحة فئة محدودة أو طغمة طفيلية ضيقة من أصحاب رؤوس الأموال والاحتكارات والامتيازات الخاصة وممثلي رأس المال الأجنبي.. على حساب عموم أبناء الشعب الذين يتم استغلالهم كفائض من الأيدي العاملة الرخيصة ودافعي ضرائب ورسوم!

وطبعا لا يمكن أن تمرّ مثل هذه التصريحات دون استخدام الشعار الأثير الذي يفتتن به المختبئون وراءه، والذي يتعاملون معه باعتباره الحُجّة الدامغة التي لا حُجّة بعدها، والورقة الرابحة التي لا يملك مَن يختلف معهم إلا أن يرضخ لها، ويصمت أمامها، وترتعد فرائصه خوفاً ووجلاً متى أشهروها في وجهه: الأردن أوّلا!

لا دولتك، نعتذر منك، الأردن ليس أوّلاً، كما أنّ مصر ليست أولاّ، وسوريا ليست أوّلاً، ولبنان ليس أوّلا، والعراق ليس أوّلاً، والسعودية ليست أوّلاً، والإمارات ليست أوّلا، وتونس ليست أوّلاً، وموريتانيا ليست أوّلاً.. الخ الخ الخ؛ فعندما يكون هناك أشقّاء لنا يُبادون، وتُستباح دماؤهم وأعراضهم، وتُسوّى بهم وببلدهم الأرض.. فهذا أولاً، ثمّ البقية تأتي تالياً!

وحتى لو تمسّكنا بالمعنى القُطْري الشوفيني “السايكس – بيكوي” الضيق لعبارة مثل “الأردن أوّلاً” أو “مصر أوّلاً” أو “السعودية أوّلاً”.. الخ، فإنّ دفاع دولة مثل الأردن أو مصر أو السعودية أو غيرها عن غزّة، وعن المقاومة، هو في واقع الأمر دفاع عن نفسها، وعن كيانها، وعن بقائها واستمرارها، وعن “مصالحها” و”حقوقها”، وهزيمة غزّة والمقاومة هي هزيمة لها.. وعدم اكتناه “المنظومة العربية” لهذه الحقيقة، أو إصرارها على عدم العمل بمقتضاها، فذلك من أكبر عوامل الكارثة التي تشهدها غزّة وفلسطين حالياً، وستشهدها كلّ دولة من هذه الدول العربية منفردةً في حال استمرّت الأمور على نفس المنوال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى