كشف التزوير

كشف التزوير
د. هاشم غرايبه

أثناء جدال مع لبنانية مارونية، قالت إن #اللبنانيين هم #فينيقيون هاجروا من أوروبا في العصور القديمة وليسوا عربا، والعرب المسلمون هم غزاة محتلون.
طبعا هنالك الكثيرون غيرها من أتباع مدرسة سعيد عقل وأنطون سعادة ( مؤسس الحزب القومي السوري) يتحمسون لهذه الفكرة التي بدأت على يد من كانوا يسعون الى إنشاء وطن يضم المسيحيين ينفصل عن سوريا ذات الغالبية المسلمة.
لقد استغل الحاقدون على عقيدة الأمة الهجمة الصليبية الأخيرة، فأخذوا باختلاق المقولات التي لا سند لها حول أن تاريخ (الهلال الخصيب) مرتبط بالسريانية من جهة وبالكلدانية من جهة أخرى، والغرض من ذلك واضح، فهاتان الأقليتين المندثرتان، هما الوحيدتان اللتان رفضتا دخول الإسلام لدى وصول جحافل الفتح الإسلامي من الجزيرة العربية.
مهما عدنا الى أعماق #التاريخ، لن نجد أن هذه المنطقة كان يعمرها غير العرب، كانت الأحوال المناخية المتقلبة وراء هجرات القبائل الى الشمال وبالعكس، لكن ليس هنالك من أثر يدل على هذه المنطقة سكنها غير الساميين.
الساميّون هم من أولئك الشعوب التي نشأت من بعد الطوفان العظيم، وهي تنحدر من ابن سيّدنا نوح عليه السلام سام، وقد سميت بلاد الشام بهذا الاسم نسبة له، واستوطنت في بلاد الشام والرافدين وشبه الجزيرة العربيّة، وأسّست حضارات وأمم ازدهرت وبَنَت هذه البلاد.
وهذه الشعوب هي: الآشوريون، والبابليون أو الأكاديون، والآراميين، والكنعانيون، وكذلك الفينيقيون والعموريون، إضافةً إلى المؤابيين، والأدوميين، والعمونيين، و العبرانيين، وبسبب تجاورها، كانت تتحدث بلغات متقاربة منها :الأمهريّة، والعربية، والآراميّة، والعبريّة، والأكاديّة.
تمازجت هذه #الشعوب عبر العصور، واندثرت بعض القوميات، وانصهرت في طابع جديد بعد الدعوة المحمدية للإسلام من جديد، والتي تقبلها سكان المنطقة باقتناع، وليس تحت تهديد السلاح، لأنهم كانوا يدينون بالنصرانية التوحيدية قبل دخول جيوش الفتح، فلم يجدوا غضاضة في التحول الى الإسلام، كونه لم يأت نقيضا بل مكملا، لكن بقي قلة رفضوا الإسلام، وبقوا متمسكين بعقيدتهم، احترمت الأغلبية قناعاتهم ولم يتعرضوا لأية مضايقة، بل لم ينتقص ذلك من التعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق.
من الطبيعي أن تنحو الأقليات الى تكوين تجمعات سكانية، فأصبحت هنالك مناطق يغلب على سكانها الطابع المسيحي، ومنها جبل لبنان.
كان ذلك من دوافع فرنسا لاختيار سوريا كحصتها من الإنتداب، فقد كانت تُعوّل على استغلال النزعة الطائفية لتعزيز بقائها، فيما كانت بريطانيا أقل صليبية، ولا تقيم دورا كبيرا للدين في حفظ مصالحها.
عندما طرد الجنرال “غورو” الملك فيصل نصحته بريطانيا بالامتثال، وعوضته عن ذلك بملك العراق، لكن الوطنيين في سوريا لم يرضخوا للمستعمر، فجمع “يوسف العظمة” المجاهدين المتطوعين من كافة بقاع بلاد الشام على عجل للتصدي للفرنسيين، انضمت كتيبة من الموارنة للفرنسيين بحجة أنهم لا يمكنهم أن يقاتلوا تحت راية عليها رسم الهلال، فيما انضمت كتيبة أخرى منهم للمجاهدين، لكن ليتهم لم يقبلوا بهم، إذ قاموا بأبشع خيانة حينما قطعوا الأسلاك التي كانت ستشعل المتفجرات لدى مرور القوات الفرنسية، فلم تنفجر مما أدى الى هزيمة المجاهدين في ميسلون.
وكان أول قرارت المندوب السامي الفرنسي إقامة إقليم لبنان، الذي تكرس بشكل انفصال رسمي عند خروج الفرنسيين من سوريا ( الجلاء) عام 1946 ، وما زالت الوثيقة المقدمة من زعماء المسيحيين في جبل لبنان التي تطالب الفرنسيين بالبقاء وعدم الجلاء لحمايتهم من المسلمين، محفوظة في الأرشيف الوطني اللبناني، وبهذه الحجة تم وضع دستور يجعل لبنان دولة مسيحية رغم أن نسبة المسيحيين فيها لا تزيد عن37 %.
تميل الأقليات عادة الى التقوقع الانفصالي، معتقدة أن ذلك يحميها من الذوبان في الأغلبية، كما تغذي التعصب لإدامة حالة الانفصال المجتمعي، مما يستعدي الآخر فتستشري الحالة ولا تنتج خيرا للطرفين.
ليس هنالك منطقة في العالم خالصة للون واحد متطابق من البشر، فالتعارف والتعاون سمة بشرية أساسية، ولم يكن يوما من متطلبات نجاح الدول النقاء القومي أو الديني، وثبت تاريخيا أن المطالبات الاستقلالية بناء على القومية والدين لم تقدم خيرا، بل التفتيت والتناحر.
قال تعالى: “يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا..” [الحجرات:13].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى