أجمل ما في مواسم الزيتون وقطافها هو عندما يكون فريق القطاف متنوع الأجناس ومن كافة الأعمار فيتشكل بذلك فريقاً متكاملاً ورائعاً داخل البستان والكرم ، وبهذا الفريق تطغى الأجواء العائلية والأسرية على صعوبة القطف وعناء العمل ، فيتكفل الأطفال الصغار بجمع الزيتون المتساقط تحت الشجر ( رغم حبهم لتسلق الأشجار ) ، بينما يتحمل الشباب الجزء الأكبر من العمل، من خلال تسلق البراميل والسلالم لقطف الزيتون المرتفع بالإضافة إلى تحميل الأكياس ، أما الشيوخ والنساء فيقطفون الجذوع المنخفضة والجذوع التي تم قصها وتقنيبها ، فيقطفوها وهم جالسون على المفارش.
فالمتأمل بهذا الكرم يجده لا يختلف تماماً عن خلية النحل وبيت النمل، فهو دائم العطاء والعمل بشكل منتظم ، والجميل عندما يتخلل القطاف أوقات الاستراحة ، فيشربوا الشاي ويأكلوا البرتقال والمندلينا ، ومع اقتراب ساعات العصر الأولى ترى الجميع ينتظر قدوم الغداء (على حر الجمر) والتي تحضرها إحدى النساء في البيت وعلى الأغلب تكون طاسة مقلوبة أو مجدَّرة ( فما أجمل هذا الطعام خاصة بعد تعب وعناء).
فلو أن الحكومة عندما تختار أعضائها وأعيانها،ولو أن المواطن عندما يختار وينتخب من يمثله في مجلس النواب أن يكون الفريق المختار متنوع الأعمار فلا ننسى نصيب الشباب من هذا الاختيار حتى تجتمع الخبرة مع عطاء الشباب المندفع للعمل ،فيكون فريقاً متكاملاً لأن الخبرة وحدها لا تكفي ، والعمل والنشاط دون الخبرة لا تنفع ، ( واقصد هنا بالشباب أي ما بين الأربعين والخمسين) حتى لا تحتكر هذه الكراسي على فئة محدودة ، فقد تجد بعض الأشخاص قد تجاوز التسعين من عمره ووضعه الصحي لا يحتمل أن يمسك قلماً بيده ، ولا يستطيع أن يأكل سوى اللبن وشرب الماء ومع هذا كله ينتظر أن يكون اسمه ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة أو مع الأعيان ، ويرشح نفسه لمجلس النواب ، والكارثة عندما يكون اسمه مع التشكيلة أو انه يحصد أعلى الأصوات.
فالفرق بين هؤلاء الذين يحبون المناصب والكراسي ويطلبونها ويركضون خلفها حتى وهم على فراش الموت وما بين فريق قطاف الزيتون ، أن هؤلاء المشغولون بالمناصب يحزنون عندما يأتي موعد الرحيل والخلاص ويكرهون موعد العصير ، أما فريق الزيتون يفرحون بموعد الخلاص والرجوع إلى البيت ويسعدون بعصر ثمارهم.