
#قيم_اسلامية: #الصبر
مقال الإثنين: 8 / 9 / 2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
يعتبر الصبر أحد أهم القيم العليا في الإسلام، بل هو قيمة اسلامية بامتياز، إذ لا تجد هذا المفهوم ينال اهتماما في المناهج البشرية.
وذلك لأن الخالق أراد الدنيا دار ابتلاء، لأجل امتحان النفوس، لتأهيلها وفق درجة نجاحها بتجاوز تلك الابتلاءات لتبوأ المكانة التي تستحقها في الآخرة.
وبما ان الابتلاء هو اختبار، ويكون بأحد أمرين: إما تعرض المرء لشدة وضيق، أو ليسر وسعة في العيش، كما قد يكون فرديا أو جماعيا.
الصبر هو القدرة على التحكم في النفس وضبط أفعالها، بحيث تتحمل ذلك الامتحان الى حين زوال الحالة الطارئة وعودة الأمور الى المسار الطبيعي المعتاد، فلا يجزع المرء وينهار عند الشدة ويفقد تماسكه فتنحرف سلوكاته، ولا يفرح كثيرا باليسر والسعة لدرجة يأخذه العجب في نفسه، ويعتقد أن نجاحه قد تحقق لتميزه وتفوق قدراته، فتخرجه عن الاستقامة وتنسيه التزاماته.
وهذه القدرة ليست ملكة فردية موهوبة، ولا قدرات مكتسبة، بل هي قناعات متفرعة من الإيمان، فينشا الاعتقاد بأن ما أصاب المرء لم يكن بفعل الحظ أو الصدفة، بل هومقدر من الله، وموقوت، وستزول الشدة حتما بعد حين، كما ستتغير الأحوال الرغيدة أيضا بعد حين.
لذلك ربط الله الصبر بالإيمان، فقال في سورة العصر: “وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”، فحدد الفلاح والنجاح بأربعة عناصر مجتمعة: أولها الإيمان بالله كمبدأ تنطلق منه كل أفعال المرء، وتنضبط بمنهجه، وثانيها توجه هذه الأفعال نحو عمل الصالحات، ويرافقها التناصح بين المؤمنين المحدد بأمرين، هما بالثبات على منهج الله الذي هو الحق، وبالصبر على ابتلاءاته.
من المهم أن نفهم أن الصبر كفعل محمود، مختلف تماما عن الاستسلام للظلم والرضوخ لشروط القوي، فتلك انهزامية يرفض الإسلام أن يتصف بها المؤمن، بل يحض دائما على التصدي للظلم والرد على المعتدي: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ” [الشورى:39]، لكنه حدد الرد بحيث يتناسب مع العدوان: فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ” [البقرة:194].
نستنتج أن الصبر المراد أن يتصف به المؤمن، هو ما كان من أمر الله وتدبيره، لأن الضيق والشدة التي أصابت المرء نتيجة لذلك الأمر، هي من تقدير الله، وشاءها لحكمة أرادها، قد يدركها المرء أو تظل خفية عليه، لكنها في جميع الأحوال لا قبل له بردّها، سواء صبر أم لا.
أما الشدة والضرر التي تكون من المخلوق، فتكون بتدبير من ذلك المخلوق الذي أتاح الخالق له المجال للإضرار أو النفع، فذلك هو المنهي عن الصبر عليه، ولذلك شرع الجهاد، وجعل أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
غير أن هنالك حالة خاصة متعلقة بالأنبياء والرسل، ولثقل المهمة الموكلة إليهم، وللمشاق التي تنتظرهم وسيكابدونها في دعوتهم، فإن الله قد جملهم بفضيلة الصبر، وحثهم على الالتزام به: “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ” [الأحقاف:35]، لأن مهمتهم الشاقة تحتاج الى جلد وصبر على المعاناة.
هكذا نستخلص أن الصبر من أهم صفات المؤمن بل يختصّ بها عمّن سواه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.
ومن أهم ميزات المؤمن الصابر هو استشعار معية الله، وهي معية علمٍ وسمعٍ وإحاطةٍ ورعايةٍ، بدليل قوله تعالى: “إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة:153]، كما وعدهم أجرا حسنا يوم القيامة: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” [الزمر:10]، بل ووعد الصابرين الصامدين على إيمانهم بأجر مضاعف: “أُولَـئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا” [القصص:54].
من هنا نستشعر فضائل ما حبانا من الله به من نعمة الإيمان، فهو ميسر لكل معسر، ومفرج لكل مهموم، وهو زاد الصابر الذي يعزيه الى حين أن يجني ثمرة صبره.