
#قلم ” #مونت_بلانك 149″ وأقلامي!
من قلم د. ماجد توهان الزبيدي
كان الكاتب مولعاً في الصفوف الدراسية الثانوية من الأول الثانوي ولسنة التوجيهي بالكتابة بقلم حبر سائل مع قنينته من الحبر الأسود ومثلها من الحبر الأزرق ،لكنّه قلم من صناعة صينية ،وليس من ماركات عالمية ،كنّا نطلق عليه “ريشة”، نقوم بتعبئته من حين لآخر، ثم ،راح،منذ إنتهاء الثانوية العامة وبدء الأيام الأولى للسنة الجامعية الأولى يكتب بقلمي حبر “باركر”و”شيفر” سائل من الصناعة الأصلية،يشتريهما من أسواق مدينة الرياض مع قنيني حبر سائل أسود وأزرق ،ويكتب محاضراته ورسائله،ويتباهي بتعليق القلمين في جيبة قميصه!
وتعود بدايات علاقة الكاتب مع أقلام “باركر”عندما وجد وهو في الصف الثاني الإبتدائي/الأساسي، أثناء سيره عام 1966م ،قلم حبر “باركر”جاف لونه أبيض وأحمر على حافة شارع بلدة “المشارع” في الأغوار الشمالية لنهر الأردن ،في المنطقة المواجهة الآن لمحطة وقود “الغزاوي” وشمال مسجد المرحوم الشيخ محمود البشير الغزاوي،ويكاد أن يحصر الآن موقع القلم بين عمودي كهرباء!
وكان المرء يحتفي بإقتناءه أطقم من أقلام الحبر السائل والجاف معا،إلا أنه لم ير قلما من الحبر السائل او الجاف من ماركة”مونت بلانك” إلّا في مرحلة لاحقة من عمره في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما أهداه صديق له مقيم في الولايات المتحدة قلما من ذلك النوع دون إنتباه من المُهدى له للرسمة البيضاء في أعلى رأس القلم إلى أن نبههُ للأمر زميل له بمركز الأبحاث الفلسطيني بقبرص!
كانت صدمة المُهدى له عندما أمعن النظر في تلك الرسمة ،فإذا بها “النجمة السداسية”تلك التي تتوسط علم دويلة المستعمرة بفلسطين المحتلة، فألقى باليراع دون سابق تخطيط بالأرض ثم داس عليه، إلى أن تهشّمَ وخرج عن خدمتي الإقتناء والعمل معاً!
عرف الكاتب وقتها أن هذا النوع من الأقلام هو الأعلى سعراّ بين أنواع أقلام الحبر في واوروبا الولايات المتحدة وان شركة يهودية اوروبية اميركية تتولّى تصنيعه،وان معظم المتصهينين من الألمان وأمثالهم من الأوروبيين والأميركيين من “المسيحيين الصهيونيين” يكتبون به ،ويتفاخرون بإقتناءه والترويج له لوجود “النجمة السداسية” في أعلى رأس غطاه!والشركة المصنعة بدات العمل عام 1908 بألمانيا ثم إفتتحت لها مقرات بالولايات المتحدة واخذت تتاجر بالعطور أيضا بالإسم ذاته “مونت بلانك” وبتجارات أخرى في ضور تغوّل الرأسمالية الإستهلاكية وشركاتها الإستعمارية سارقة ثروات الشعوب وخيراتها.
اليوم بالصدفة شاهد الكاتب صورة للرئيس الأميركي ترامب في جولته العربية الخليجبة وقد أهدته إحدى الدول التي زارها ضمن ما أهدته ،قلم حبر من ماركة”مونت بلانك149″ بقيمة مليون ونصف المليون دولار أميركي بما يوازي مليون دينار أردني وربما يزيد عن ذلك قليلاً.
وأضاف الخبر المرفق بصورة للرئيس وهو يرفع القلم أمام آلات التصوير:إن القلم مرصع ب1400 قطعة من الجواهر!
ولو علمنا ان تكلفة إنشاء بيت واحد لعائلة عربية فقيرة من 70 مترا مربعا لا تتجاوز 10 آلاف دينار أردني، كبيوت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة او الأردن أو سوريا ،فإن قيمة ذلك القلم الذي فرح به الرئيس الأميركي تؤمن بناء مئة 100 بيت لمئة 100 عائلة عربية!
رحم الله أيام دراساتي العليا ببغداد،على نفقتي الخاصّة،عندما كان الكاتب وزملاؤه يشترون أطقم اقلام حبر سائل وجاف من ماركتي “باركر” و”شيفر” إضطر أصحابها من معلمين ومحاضرين وادباء وصحافيين عراقيين لبيعها في مكتبات وأسواق شعبية وفي الشوارع بسبب الحاجة بأثمان لا تتعدى الدينار أو الدينارين من العملة الأردنية في ضوء هبوط سعر صرف الدينار العراقي والذي وصل في مرحلة ما من نهاية تسعينيات القرن الماضي لخمسة آلاف دينار عراقي لكل دينار أردني!
ويتذكر الكاتب الآن بعد أن ألقى بقلمه من ماركة”مونت بلانك” تحت قدمه وسحقه،كيف فغر فمه طويلاَ وهو يرى احد أصدقاءه من كبار الكتاب والباحثين الفلسطينيين من وزن الباحث والمفكر الكبير عبد الوهاب المسيري رحمه الله ،يقتني مجموعة من أقلام “مونت بلانك” وتعلوها “النجمة السداسية” ،دون اي إكتراث منه لعتاب الكاتب له ،وهو المفكر والباحث المنغمس في النضال الوطني وفي وظيفته الرسمية !
هي مجرد أطياف من ذكريات مرّ بها الكاتب وعلاقته باقلام الحبر السائل والجاف من ماركات عالمية منذ سن الثامنة ولنصف قرن لاحق في زمن باتت أقلام الحبر الصينية أم” البريزة “و”الشلن” من ماركة “بيك” واخواتها تّزيّن جيوب المعلمين وأساتذة الجامعات وطلبتها في الزمن الراهن،زمن ترامب ومن هو على شاكلته في الفكر والمبادىء والعلم والثقافة!(15 أيار)