سواليف – رصد
النص التالي نشر عام 2015 من صفحات “سياسي يتذكر” برئيس الوزراء الأسبق مضر بدران في صحيفه الغد
وجاء فيه حول إنشاء الصوامع في العقبة وعمان واربد :
ولكن مع احتفاظنا بحرية الرأي بكل ما جاء فيه ، الا أننا ما زلنا نصر على أن الصوامع التي صمدت قبل يومين أمام المتفجرات ، ما كان يجب أن يتم هدمها ، ولا بيع ارض ميناء العقبة القائمة عليها الصوامع ، ومن حقنا في نفس الوقت أن نسأل ، هل سيكون مصير صوامع الحبوب في اربد وعمان مشابها لمصير صوامع الحبوب في العقبة ، ليتم هدمها ايضا بعد ارتفاع القيمة السوقية للأرض المقامة عليها ، ومن ثم بيع الأرض وما حولها لشركة استثمارية جديدة ؟
اقرأوا حكاية إنشاء صوامع الحبوب في كل من العقبة وعمان وإربد …
كان وزير الزراعة والتَّموين صلاح جمعة، وكان رجائي المعشر وزيرًا للاقتصاد، وعندما مرضَ جمعة في روما خلال اجتماعات (الفاو)، جاء المعشر وزيرًا بالوكالة. وفي أحد الأيام دخل المعشر إلى مكتبي، وبَدَت عليه ملامح القلق والتوتُّر، فسألتُه: “ما الأمر؟”، فقال إنَّ مخزون القمح في المملكة لا يكفي سوى لأسبوع، وإنه قلق من الأمر، وإنَّ باخرة القمح في طريقها لميناء العقبة، وستصل بعد أسبوع. فسألتُه: “ماذا لو جَنَحَت الباخرة في البحر؟”، فقال: “ستكون كارثة”. عندها، وهو في مكتبي، اتَّصلتُ برئيس الوزراء السوري عبدالرحمن الخليفاوي، وقلتُ له إنّي أريدُ قمحًا من سورية في أسرع وقت. في اليوم التالي، بدأت قوافل من القمح السوري تصل إلى الرمثا، فشعرت بالاطمئنان.
ولا أعرف لماذا توقّعت أن تجنح الباخرة! فبعد أسبوع جاءني المعشر وأخبرني أنَّ الباخرة جَنَحَت في البحر فعلًا كما توقَّعت، قرب ميناء ليماسول القبرصي، عندها حمدتُ الله لأنَّ العلاقات مع سورية كانت على ما يرام، وهذا سرّ احتفاظي بعلاقات جيدة مع دول الجوار، ولذلك سعيتُ دومًا لعلاقات مستقرّة وجيدة مع سورية والعراق ومصر ودول الخليج، وتعمَّدتُ أن لا أكون سببًا في تأزيم العلاقات أو توتُّرها، لكن شريطة أن لا يكون ذلك على حساب شرط من شروط السيادة الوطنيّة الأردنيّة على أرضها وقرارها.
وصلت الباخرة بعد نحو 15 يومًا من دخول المعشر عليّ قلقًا، عندها اقتنعتُ أنَّ أمر الصَّوامع لا بدَّ من حسمه بالسرعة الممكنة.
وسألتُ بعدها رئيس المجلس القومي للتخطيط حنا عودة عن مشروع الصّوامع، وقال إنَّهُ بصدد وضع دراسات الجدوى الاقتصاديّة، وإنَّ هناك خبيرًا أميركيًا يقيم في المملكة لإنجاز دراسة الجدوى لبناء صوامع في مدينة العقبة، وسألتُه عن الوقت الذي سيستغرقه ذلك، فقال: “نحو 22 شهرًا”، فاستهجنتُ المدّة، كما استهجنتُ أنَّها فقط لدراسة صوامع العقبة، وقلتُ: “بإذن الله سأكون بنيتُ الصّوامع وهو ما يزال يجري دراساته!”.
دعوتُ أصحاب المطاحن الكبيرة، وحاولتُ حثّهم لتبنّي مشروع الصّوامع، لكنهم قالوا إنَّ هذه ليست وظيفتهم، فهم يشترون الحبوب من الحكومة، وليسوا هم مَن يستوردونها.
كانت سورية قد سبقتنا في بناء الصوامع، فذهبتُ إلى رئيس وزرائها الخليفاوي، وطلبتُ منه أن يكلِّف مَن بنى لهم صوامعهم ببناء صوامع عندنا، فقال إنَّ هذا قرار للرئيس الأسد، ولا يمكنه هو أن يتَّخذه، ولمّا قابلتُ الأسد طلبتُ منه ذلك، فقال: “إنْ كان لكم، فهذا أمر مقبول، ويذهب فورًا لمباشرة العمل”.
لكن قرار منع مصمِّم الصَّوامع السوريّة من السفر، كان سببه قرارٌ سابق للخليفاوي بخروج المصمِّم إلى الجزائر، وهي بلد الأصل للخليفاوي.
بعدها، طلبتُ تصاميم صوامع طرطوس لاستنساخها في العقبة، وتصاميم صوامع دمشق لاستنساخها في عمّان، وتصاميم صوامع درعا لاستنساخها في إربد، وذلك توفيرًا للوقت، ما دامت الطبوغرافيا متشابهة بين تلك المدن. بعد مدَّة من الزَّمن، أنشأنا الصوامع الثلاث بقدرة تخزينيّة بلغت 300 ألف طن من الحبوب، كما أنشأنا مطحنتين، وبكلفة إجماليّة بلغت نحو 16 مليون دينار، بما في ذلك ثمن التَّصاميم وإشراف يعقوبيان في ذلك الوقت.
كانت أوامري واضحة، بأنَّ يتوقّف أيّ عمل إنشائي إنْ كان على حساب السرعة في بناء الصَّوامع، حتى لو كان ذلك المشروع قصرًا ملكيًا، وذلك بسبب أزمة الإسمنت، التي كنّا قد عانينا منها في تلك المرحلة.