كثيراً ما تتأثّر بلدة أو منطقة باسمها، وكثيراً ما ينسج الناس حكايات حولها. قرية “كمّل نومك” في السودان واحدة منها
فيولاية الجزيرة(وسط السودان)، تقع قرية “كمّل نومك”، التي تبعد ما يزيد عن مائتي كيلومتر من العاصمة الخرطوم. للوهلة الأولى، يظن المرء أن اسمها اقتُبِس من واقع كسل أهلها. أما أهل المنطقة فيؤكدون أن التسمية مرتبطة بالأمان الذي لطالما تمتعت به قريتهم، وما تمثله من ملاذ آمن لأبناء القرى المجاورة الذين يستطيعون أن يقصدوها والاستراحة فيها من دون قلق.
دفع الله عبد المطلب، من أعيان القرية، يقول لـ”العربي الجديد”، إن التسمية تعود إلى زمن “جدّ القرية ومؤسسها، قبل قرون. هو كان فارساً ويملك أكثر أراضيها، وقد اتسمت هذه القرية في عهده بالأمان، في حين كانت القرى المجاورة تعاني من عمليات نهب وخطف. ووسط تلك الظروف، راح يستضيف فيها الفارين من تلك الحوادث”. يضيف: “من هنا كانت تسمية كمّل نومك، أيّ نم قرير العين، فلن يصيبك أي مكروه”.
لا تعرف الكسل
من جهته، يرفض عبد الله علي أحمد بشدّة صفة الكسل التي تلصق عادة بأهالي القرية، ويشدّد على أن “القرية تضجّ بالنشاط. أهلها يعملون في الزراعة ويستيقظون باكراً، عند أذان الفجر الأول، ليقضوا النهار بطوله في الحقول”. ويشير إلى أن “في القرية نحو 500 مزارع، وهي تمثل صمام غذاء في السودان، إذ تُزرع فيها المحاصيل الاستهلاكية، من قبيل القمح والفول. كذلك، هي تمثّل نسيجاً اجتماعياً مترابطاً، على الرغم من تعدّد القبائل، من ركابية ومغاربة وجعليين وخلافة”.
قد يشكّك السامع بأنها قرية تضجّ بالحياة، لذا لا بدّ له من زيارتها للتأكد بنفسه من حركتها النشطة. عند مدخلها، لافتة كبيرة كتب عليها بالخط العريض “قرية كمّل نومك”، التي تضمّ أبرز قنوات الري في السودان والتي يعتمد سكانها بأكثريتهم على التجارة والزراعة.
على الرغم من أشعة الشمس الحارقة، إلا أن الحركة في القرية تكاد تكون لافتة لزائرها منذ الوهلة الأولى. هنا، تجد نساءً يحملن على رؤوسهن أعواد الخشب، ورجالاً يحرثون الحقول وينقبونها بالمعاول التقليدية قبل أن ينشروا البذور فيها. أما الأطفال، فيلهون في الشوارع غير آبهين بلسعات الشمس المحتملة.
كذلك، يتّسم مجتمع قرية “كمّل نومك” بالترابط والتكافل في السراء والضراء، بالإضافة إلى تشريع أبواب المنازل للقريب والبعيد تحت عنوان كرم الضيافة.
أسماء ودلالات
من جهة أخرى، لأسماء مدن السودان وقراها وأحيائها دلالات اجتماعية وثقافية وتاريخية وبعضها جغرافية. كذلك، بعضها مقتبس من أسماء حيوانات أو نبات أو أشجار أو حشرات، إلى جانب تلك التي تأتي باللهجات المحلية لأهل المنطقة المحددة، أو تيمّناً بشخصيات بعضها أجنبية عاشت في البلاد في ما مضى وارتبطت بحدث معيّن. مدينة كوستي مثلاً، ترتبط تسميتها بتاجر يوناني كان يُدعى كوستينوس. أما مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، فتعني بلغة قبيلة الداجو التي تقطن المنطقة “مكان الأنس أو المسرح”.
بالنسبة إلى عاصمة البلاد، الخرطوم نفسها، فقد اختير اسمها نظراً لشكل الأرض الضيّق الذي يقسمه النيل في مجريَيه الأبيض والأزرق، قبل أن يلتقيا معاً بتشكيل يشبه الانحناء ويأخذ شكلاً شبيهاً بخرطوم الفيل.
في هذا الإطار، يشير أستاذ الثقافة السودانية والفولكلور البروفسور محمد المهدي بشرى، لـ”العربي الجديد”، إلى أن للأسماء في السودان عموماً دلالات تاريخية تحدد اللغة وأصل المنطقة، وهي مأخوذة من البيئة أو قد تُنسب لشخص ما، لا سيّما الأولياء الصالحين أو شيوخ القبائل. ويوضح: “قد نجد أن أسماء البيئة تأخذ حيّزاً أكبر في السودان. على سبيل المثال، ثمة أسماء مختلفة تصل إلى عشرين اسماً، مقتبسة من العشر، من قبيل أم عشر وأبو عشر. كذلك، ثمة عدد مماثل مقتبس من النخيل، من قبيل شجر التمر وقرية النخيلة وأم نخل وغيرها. وهذه عادة ما تكون قرى واقعة على الشريط النيلي”. يضيف أن “ثمة أسماء مقتبسة من اللهجة المحلية لقرى محددة. في الشمال مثلاً، نجد منطقة يطلق عليها أرتي قاشة، وتعني بلغة النوبة جزيرة الذهب”.
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع محمد المجذوب أن “التسمية في الأساس تنطلق من تركيبة المجتمع التي تميل نحو الوصف، نظراً لنشوئه في بيئة خيالية”. ويشرح: “تُصوَّر صورة في العقول ذات ارتباط بما هو موجود وبازر في بيئة معيّنة”، مشدداً على أن أي تسمية تؤثر فيها الثقافة والبيئة، وهي عادة ما تنطلق من عفوية أهل الريف وطيبتهم عموماً وكذلك تبسيطهم للأشياء”.