قراءة في كتاب أطياف ” تراوغ الظمأ ” للشاعر حسن العاصي

سواليف
قراءة في كتاب أطياف ” تراوغ الظمأ ” للشاعر حسن العاصي
آمال محمد

شاعرة وناقدة أردنية

صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني المقيم في الدانمارك حسن العاصي بعنوان ” أطياف تراوغ الظمأ “عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة
يضم الكتاب أربعون قصيدة نثرية ، ولوحة الغلاف للفنان التشكيلي عدنان يحيى، والإهداء إلى جميع الذين قضوا في المتوسط ولم يصلوا .

الدخول إلى هيكل حسن العاصي

يبدأ من هناك .. من العبارة التي طرحت ذاكرتها على ورق النوايا

من الحزن الذي انتفض تحت وهم الشمس وهي تغرز صحوها حول رجفة الجفن المتعب..

وأول اليقظة حرف يتبع شغف صاحبه نحو الضوء

نحو الباب الذي يفتح مصراعيه للطارقين المتلهفين

للقابضين على جمرة التراب وفي نفوسهم يقين لما تحمله الكلمة من جواهر وأجوبة تتيح نفسها لمن يجرؤ

وهل أوسع من قصيدة حرة مفتوحة لتحمل ذاك الشجن

قصيدة تكسر قالب النمطية الضيق وتنطلق حاملة مشاعر صاحبها خارج قفص الرقم والحساب

فوق مستوى البحر وجداول السبب والوتد وما سجله الخليل وما سهى عنه

ولندخل الأسباب ونقيم في دارة العاصي لحظات

نتأمل التكوين الذي قدر منازل الكلمة وبروجها وأقعدها وجذرها حول فلك المعنى

وأطعمها نثرات النفحة التي تبث الروح في العبارة .. التي ترفعها عن غبارها وحتى تلفظ أوصالها ” شعرا

وأحتار وكل عباراته تومض بالنبض العتيق

باليقظة التي تبث أتراحها على قارعة الرماد , قارعة الوجود اللحظي .. “وما طغى الوهم على صوت القلب”

في قصيدة ومضات قدرية

على بُعدِ وشمٍ من النَّبضِ العتيقِ

عثرتُ على يَقظتي

وَضعتُ يَدي على قارعةِ الرَّمادِ

أُلوِّحُ بالماءِ

كيْ يسيل صَدى الحزنِ

وأَتلاشى مثلَ أجنحةِ المطرِ

يقدم لنا الشاعر فلسفة الوجود يشرح الماهية القدرية وبجمل بسيطة بليغة

ويقدم بعفوية ” نطفة من أثمن نطاف الوهج النثري وأعمقها

فإدخال صفة القدم على النبض الذي استيقظ في عروقه

يحيلنا إلى الإافلاطونية وغراسها الأولية والتي تؤمن بوجود نفحة قديمة وفي كل كائن محدث

وهذه النفحة هاجعة وحتى تلتقي بالكائن القادر على حمل نورها ونيرها

فتبدأ بالشروق متخذة من الجبين مسكنا ومن القلم أداة

وحتى إذا ما التقيا على النية النقية والاستحقاق التطوري ,فاضا ” يحملهما مركب الحرف ويحرسهما طيفه الملائكي

بالنتيجة الحرف أو الكلمة وجه من وجوه اليقظة

علامة جبرية تدق على الذاكرة وحتى تسيل حاملة ثمار تجربتها ومرورها على قارعة الرماد ” على الوجود المادي

وحتى إذا ما عادت النفس إلى بارئها أو مسكنها الحقيقي أو وجودها الفعلي الثابت الأعلى

“تذكرت” ووسيلتها في ذلك الحرف والذي يعبر بين الممالك والحجب لا يمنعه حارس ولا ملك

العبارة إذن ليست بالسهولة التي نعتقد

ولا هي غامضة أو عابرة … بل هي منازل لها شأنها وميقاتها وأسبابها

ولعل الشاعر العاصي من أيقظ الأقلام النثرية ” القادرة على التعبير عن تلك المنزلة

القادرة على العبور والتوازن بين صدى الحزن العتيق وبين الماء الذي يخفي الحريق

حريق النفس العليا وقد ضاقت بمحدودية الجسد

واشتهت العودة أو اليقظة

لعل تلك النطاف أو الغراس والتي يدسها الشاعر العاصي في جمله” واعيا أو غير واع ” هي أهم ما يميزه قلمه

هي الصلة التي ترفع مقام الحرف وتبث فيه الروح

وما الروح إلا النفحة التي تلقي بهالتها على العبارة رافعة ترددها إلى مقام الشعر

ذاك هو الإيقاع المصمت ” الإيقاع الداخلي والذي يستشعر الميزان وقيم الأرقام الجذرية والنسبية

وبحس داخلي يتفوق على الحاسب العروضي النمطي ..

شعائر نثرية متراصة بحبل من مَسّك .. ومعان مجنحة تتطيب من نفح الوريد تقول المشهد وبجرعة ضاقت حتى اشبعت
…تلك فورة النثرية ومقام من مقاماتها العليا وقد استدعت أجنة المعاني وباطنها المرصود
لغير المأهول ولا المطروق .

أربعون قصيدة تطل من جب الخبايا

حاملة نطاف يقظتها وأجنة حريقها وهي تمر على الأرض الخراب

وقد أودعت حبرها ملكوت الشعر المنثور… رفعته على أسنة البلاغة وتوارد المعاني وما يسقطه شجر المجاز من ثمر

وتلك الثمرات لا تأت صدفة ولا تعطى لمار

بل تلقى في القلب وبقدر مسبوق قديم

يتراءى بين النبض والنوايا

بين الواقع وما تلقيه الظلال من رماد يتنفس تجربة الحياة

والشاهد حرف ..

حرف مصمد أحادي القطب هاجع وحتى تلفظة النوايا

فيخفق وينبض بالعروق والفعل والفكر

يتخلق وكيان صاحبه فيصيرا كتلة تئن بالواقع المعاش والواقع المنظور

وبعد ألا يزهر كل هذا الصراخ

ألا يرفع نعشه على أكف الورق العذري

وقد هيأ للقلم بصره ” ومد الحبر أرضه ومن ظل اليقظة التي طافت حول أسئلة الوجود وإلى اليقين

وقد اتخذ من الكلمة جسدا تتعاطي مع قضايا الفكر والفلسفة وفوضى الواقع

وفي كل قصيدة ولادة تشهق بموقف الشاهد العاصي على هذه الفوضى

يدخلها جزعا ويخرج منها مطمئنا واثقا أنه في صخب المقام .. أنه على حافة الصراط يسقط تجاربه

وأوراقه آملا في الخروج وإلى المقام الأعلى

… تجربة الشاعر العاصي , تجربة تستحق الخوض فيها وكلما مضيت في غابته الكثيفة الممطرة

كلما أدركت أننا أمام قامة فكرية نذرت حرفها لما بعد المقام

لما بعد الفوضى والتي امتدت إلى كل نواحي حياتنا

ولم تنقصه الجرأة في طرح قضايانا سواء الفكرية أو السياسية أو الفلسفية

وقد وظف قدرته البلاغية العالية ودقة تصويره وخياله الواسع كعامل طرح

رفع هذه القضايا أمام البصر مكللة بطوق المنطق وسعة البصيرة وجمال التعبير

المميز في لغة الشاعر أنها تأتي بقواميس الفلسفة المتخمة المعقدة
وتجدلها بعبارة طيعة ” سهلة صعبة

صعبة لمن وقف على الرصيف ولم يعبر نهر النثرية وسلواه
سهلة لمن بلل أكفه بأجنة الخلاص وحاز على بذرة المعنى الصغيرة “الشاسعة”

وتلك لغة المستقبل ” اللغة التي تقول الدهر بعبارة
اللغة التي تفصل المارين عن الماضيين عن الباقيين ,
اللغة التي تنتقي وتفاضل ,

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى