سواليف
أرلينغتون، ولاية فيرجينيا – 19 صفاً بالطول، و20 إلى اليمين. هذه هي المعادلة الرياضية التي أرادت ميمي روبنسون أن تعرفها: المسافة ما بين قبر والدها وكابتن همايون خان ، في المقبرة الوطنية بأرلينغتون. وهمايون خان هو نجل المسلم الذي هزئ منه ترامب بعد أن ألقى كلمة في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شهر يوليو/تموز 2016.
مثلها مثل الكثير من الشعب الأميركي، تأثرت روبنسون بالشهادة التي صرح بها، حيث تحدث في المؤتمر عن القيم التي كان يتحلى بها ولده، والتضحيات التي قدمها. ولذا، قامت منذ بضعة أيام بالسير بعناية فائقة ما بين الموقع الموجود فيه قبر والدها، الذي كان عضواً في خفر السواحل، وتوفي عام 2014، وشاهدة قبر كابتن خان، وفق نيويورك تايمز.
تذكرت الكرامة والحُب والقدسية
في الأسفل عند الحجر الموضوع أمام القبر، الذي كان موجوداً عليه الهلال الإسلامي ووسام القلب الأرجواني، تركت رسالة مكتوبة بخط اليد على إحدى أوراق النباتات..
كتبت فيها “كنت أفكر في الطرق التي جعلت من السياسة والبيروقراطية سبباً في تلاشي حبي لهذا البلد.
ولكن مع رؤية والديك، ومعرفتي بك أكثر وأكثر، تذكرت الكرامة والحُب والقدسية التي تجمع ما بين الأطياف المختلفة الموجودة في الولايات المتحدة، لتجعلنا جميعاً مثل النسيج الواحد”.
منذ أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، والآلاف، ما بين المحاربين القدامى وأقارب الجنود الذين سقطوا في الحروب وحتى أولئك الذين لا تربطهم أي علاقة بالمقبرة، سلكوا طريقهم إلى قبر كابتن خان، والموجود على عُمق، داخل المقبرة، وكان هدفهم الوحيد هو الوقوف أمام القبر وإلقاء بعض كلمات الدعم والتأييد لخان.
وقال والد الكابتن همايون خان، خضر خان، في مقابلة أجراها الجمعة الماضي: “نحاول حصر عدد الرسائل التي يتركها الناس عند القبر. وصلنا إلى 4000، ولا تزال هناك بقية”.
أتم كابتن خان عامه الأربعين يوم الجمعة الماضي، وكان خضر خان وزوجته، غزالة، مشغولين للغاية في هذا اليوم، ولم تسنح لهم الفرصة لزيارة قبره، ولكن، يوم السبت، وقبل ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول بيوم واحد، سلكوا طريقهم إلى المقبرة التي تقع في مدينة شارلوتسفيل، بولاية فيرجينيا، والتي تبعد مسافة ما يزيد عن ساعتين بالسيارة، ولم تكن تلك هي المرة الأولى، فقد فعلوها لمرات عديدة قبل ذلك.
بسبب كثرة الزيارات لموقع القبر – الموجود في القسم رقم 60، ورقمه 7986 – فإن المرشدين السياحيين وغيرهم من الموظفين الموجودين في المكان، حفظوا رقم القبر عن ظهر قلب، حتى يتمكنوا من توجيه كل من يأتي إلى المكان ليتمكن من الوصول إلى الداخل. وتطور الأمر لتصبح تلك البقعة وكأنها نقطة التقاء أساسية، حيث تتقاطع الحياة فيه، ويأتي إليها أشخاص مثل روبنسون، لتقوم بتلك المعادلة الرياضية التي تجمع ما بين مدى القرب ودرجة التضحية، ولكي تلقي كلمتها عما أضافته قصة كابتن خان إليها.
قالت روبنسون في مقابلة صحفية: “كانت له تلك الشخصية التي تضع قيمة لكل ما له علاقة بالأقليات في أميركا. فهو الشخصية التي نُقدّرها جميعاً في هذه الدولة، من أعماق قلوبنا حقاً. هو وغيره من الجنود الذين لم يتم تسليط الضوء عليهم وعلى بطولاتهم مثلما يحدث مع خان الآن”.
وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر الحزب الديمقراطي، وجه خضر خان، والد كابتن همايون، اتهامات عنيفة لدونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة، الذي استخفّ بعائلة خان لاحقاً، وقال خان إن خطابه كان بمثابة تذكير بأن “هناك بعض القيم التي تستحق أن نُقاتِل من أجلها”.
الاهتمام بالآخرين وبما يعود بالخير على الأمة
وأضاف قائلاً: “قد كانت ولا تزال القيم التي نتمسّك بها نحن، ومن قبلنا كابتن همايون خان، هي: الاهتمام بالآخرين وبما يعود بالخير على الأمة”.
وهناك أيضاً تشارلز كاوهيرد، من مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا، الذي يقبع شقيقه التوأم، الذي كان ملازماً في الجيش، على بُعد ثلاث قطع أرضية من قبر كابتن خان. ظل كاوهيرد يزور القسم رقم 60 منذ عام 2004، عندما قُتِل أخوه في العراق. أما كابتن خان، فقد مات بعده بأسابيع قليلة، وفي العراق أيضاً، إثر تفجير انتحاري حدث في القاعدة التي كان تابعاً لها، في شهر يونيو/حزيران الماضي.
ويحتوي هذا القسم من المقبرة على بقايا العديد من الجنود ممن كانوا في الخدمة وماتوا في الحروب الدائرة في أفغانستان والعراق. وقال كاوهيرد لاحقاً إنه لاحظ بعض الاختلافات بين أولئك الذين يأتون هنا ويكونون في حالة حداد.
وأضاف قائلاً: “كان الأمر يبدو غريباً بعض الشيء أن نأتي إلى هذه المقبرة. فقد مسّ الحدث قطاعاً كبيراً من الشعب، لم يكن ليأتي هنا لولا هذه الحادثة وما كان لها من تأثير عليهم”.
طبقاً لما قاله كاوهيرد، فقد عرض بعض الأشخاص القيام بعملية نقض رداً على تشويه ترامب لسمعة عائلة خان. ومن جانبه، لعب ترامب على القالب الديني، إذ قال إن خان لم يسمح لزوجته بالحديث في المؤتمر أبداً.
وقال كاوهيرد: “أعتقد أن ذهاب كل أولئك الأشخاص لزيارة قبر كابتن خان، كان إحدى الطرق التي أعلنوا بها رفضهم للتمييز ضد عائلة خان، مُعلنين أننا كشعب أميركي نساند تلك العائلة والجندي الذي سقط، حتى إن الأمر قد يكون أقرب لكونه” رداً على تعليقات ترامب.
الرسائل التي جُمِعَت من القبر، انتهى بها المطاف إلى صناديق موجودة في غرفة الطعام الموجودة بمنزل عائلة خان. ويمر خان وزوجته ما بين تلك الرسائل شيئاً فشيئاً. يقرأونها جميعاً، ويكتبون رسائل شكر لمن ترك عنوانه.
هدأت قليلاً عملية توافد الزوار إلى قبر كابتن خان، مع اقتراب الخريف، وعودة خان وزوجته إلى حياتهما الطبيعية، أو أقرب ما يكون إليها. فبعد العدد الكبير من المقابلات التلفزيونية والصحفية التي أجريت بعد المؤتمر، ابتعدا قليلاً عن الظهور على الهواء مباشرةً في الأسابيع القليلة الأخيرة.
مساعدة أوباما تعمل مع خان
وتساعد ستيفني كاتر، أسرة خان حالياً، وكاتر متخصصة في العلاقات العامة، وهي المساعدة السابقة لأوباما. وقال خان إنه يحاول حصر عدد الدعوات التي وافق على حضورها للحديث فيها.
ومع ذلك، لا تزال الرسائل تصل يومياً على ما يبدو، إلى قبر كابتن خان، رقم 7986.
وتقول جينيفر لينش، المتحدثة باسم المقبرة، إن طاقم العاملين بالمقبرة يقومون بإزالة الأشياء الموجودة على أحجار القبور عندما تحجب رؤية الكلمات المكتوبة على الحجر. فبالإضافة إلى الرسائل، يترك زائرو قبر كابتن خان بعض الحجارة والأعلام الأميركية، بالإضافة إلى الصور والصلوات المُغَلَّفة والورود، من كل الألوان. أما أصدقاء خان الذين يعيشون في الجوار، فإنهم كثيراً ما يتوقفون عند القبر لجمع تلك الأشياء لتسليمها إلى عائلته في وقت لاحق.
أصبحت الطقوس والقواعد العامة مختلفة قليلاً مع زيارة عائلة خان للمقبرة. فلا يسأل طاقم العاملين في المكان عن هوية خان عندما ينسى تصريح الدخول الخاص به. ويبدأ الزائرون في الاقتراب منه لتعريف أنفسهم.
يَعُد موقع القبر خاصاً بالعائلة
لم يَعُد موقع القبر خاصاً بالعائلة فقط، بل أصبح مفتوحاً أمام الجميع.
وقال خان: “عندما نكون في زيارة لموقع القبر، يتجمّع العديد من الأشخاص بالطبع، وأنا بدوري أرحب بهم وأصافحهم، كما أنهم كثيراً ما يطلبون التقاط صورة معي. وبعد أن أنتهي، أنسحب في هدوء، لألتقط بعض الصور الخاصة بي”.
هافنغتون بوست