في جهازي دورية إلكترونية!
الدكتور: رشيد عبّاس
قال احد الفيسبكيون أن #الدوريات #الإلكترونية إذا دخلت الأجهزة الخلوية أفسدتها وجعلت مواقع التواصل الاجتماعي فيها أَشِـحَّــةً, وقال مهندسو الأجهزة الخلوية نكّروا لها ( والهاء تعود على الدوريات الإلكترونية) تطبيقاتها, وانا أقول على العكس من ذلك تماماً فالدوريات الإلكترونية إذا دخلت الأجهزة الخلوية أصلحتها..
وبعد,
في تمام الساعة الرابعة والربع فجراً أستيقظ ناصر على صوت زمامير (دورية إلكترونية) تنطلق منها صوبه, حيثُ توقفت فجأة على أقصى يمين الشاشة لجهازه الخلوي التابع له, وبالذات على تقاطع ما كان يقرأ ويكتب ويشارك الأخرين على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها, كالفيس بوك والواتس أب.., كانت هذه الدورية تبعث بألوانها الحمراء والزرقاء الخافتة تارة, والمرتفعة تارة أخرى في جميع الاتجاهات, وكان فيها غير السائق أربعة أشخاص أخرين على ما يذكر هياكل عيونهم مسحوبة أفقياً ويتكلون اللغة الصينية, وللأمانة كانوا مؤدبين للغاية, فقد أظهروا جميعا بطاقات تسمح لهم وتخولهم الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها في جهازه الخلوي, تلك التي يستخدمها كل يوم, وبعد أن تأكدوا من هويته الشخصية اعتذروا له عن الدخول المفاجئ لجهازه الخلوي وأخبروه أن طبيعة العمل تدعوهم إلى ذلك..ناصر بدوره رحب بهم وسمح لهم بالدخول مع ابتسامة ممزوجة بالاستغراب.
هذه الدورية بعد أن اطفأت أصوت الزمامير وألوانها الحمراء والزرقاء الخافتة تارة, والمرتفعة تارة أخرى في جميع الاتجاهات, وبعد الأستاذان قاموا بتصفح جميع مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها الموجودة في جهاز الخلوي لناصر كالفيس بوك والواتس أب..في ذلك الأثناء كان هو وجميع أفراد أسرته مرتبكين خائفين حائرين حيث بعض المنشورات الاجتماعية التي كان قد قرأها أو كتبها أو شاركها مع الأخرين.., وخلال دقائق وبعد أن أنهوا عملهم شكروا تعاونه معهم وكتبوا له عبارة باللغة العربية (جهازك نظيف), عندها زال الارتباك والخوف والحيرة عنده وعند جميع أفراد الأسرة..وردد قائلاً أعتقد انهم دخلوا أيضا على المواد السابقة والتي كنت قد مسحتها من الجهاز قبل إيام أو ربما قبل أشهر!
قبل أن يغادروا جهاز الخلوي لناصر, تكلم معه أحدهم باللغة الصينية مع وجود ترجمة فورية للغة العربية قائلا: نحن وسيلة ضرورة للحد من الجرائم التي باتت تجتاحنا في فضائنا الجديد، نلاحق مطلقي خطاب الكراهية والعنصرية ومثيري النعرات بشتى أنواعها, فنحن خبراء من مرتبات وحدة الجرائم الإلكترونية نرصد ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، ونلاحق صاحب المحتوى المخالف, لن نخيف من يتوخّى الحذر فيما يُنشر، ومن يفكر قبل النشر, ولا نلاحق من يطرح رأيه بأسلوب يبتعد عن الشخصنة، ولا نحاول أن يغتال الآخرين، أو نسيء إليهم، كما أننا لن نلاحق من لا يريد إثارة الشرور والفتن..الفيصل في الموضوع أننا سنرفع منسوب الرقابة الذاتية التي يمارسها الناس على أنفسهم، وسنقول لهم من جديد, إن لكل شيء حدود.
لقد تركتْ هذه الدورية رسالة لناصر قرأ منها: أن وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية والتي من خلالها تتم ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة, هي وحدة تقوم بدوريات الكترونية بشكل دائم على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها, وفي حال تم الاشتباه بوجود منشور من شأنه أن يشكل جريمة معينة, تتم عملية المتابعة الفنية وتنظيم الضبوط اللازمة وتقديم المعلومة العامة لغايات الملاحقة, كملاحقة المنشورات الإلكترونية التي تشكل جرائم إلكترونية مثل إثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية, والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي, والمس بالآداب والاخلاق العامة للمجتمع, وذم الهيئات الرسمية, والجرائم التي تأخذ طابع الرأي العام, والجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني والاستثمار.
أننا اليوم في عالم لا تغيب عنه شاردة ولا واردة, ونحن اليوم في بيوت زجاجية لا يخفى منها شيئاً، ولا نستطيع الاختباء أو الاحتماء..فقد بات كل شيء مشاع ومتاح..حتى خلجات الصدور وأسرار وهفهفات النفوس اصبحت مكشوفة..وهذا يذكرني بقصيدة الطفلة “ميلان مورو” والمكتوبة على مدخل هيئة الأمم المتحدة: (لو كانت الأرض مربعة الشكل، لوجدنا زاوية للاختباء, لكن الأرض كروية, وعلينا مواجهة العالم), فعندما يكون المحتوى أو تكون المادة التي نقرأها أو نكتبها أو ننقلها أو ربما نشاركها للأخرين نظيفة..عندها لن نخشى من دخول أية دورية إلكترونية إلى أجهزتنا الخلوية, بل بالعكس سنقدم لهم فنجان قهوة الكتروني أن امكن ذلك.
صدقوني أن الدوريات الإلكترونية إذا دخلت الأجهزة الخلوية أصلحتها, لكن تبقى أقوى وسيلة لمراقبة (الكلمة) وتوابعها تبقى في دواخلنا..والله المستعان.