في العمق

#في_العمق

د. #هاشم_غرايبه

ذكرت الأنباء أن الخارجية الأمريكية فرضت عقوبات جديدة على برنامج باكستان الصاروخي، اضافة الى عقوبات سابقة قبل ثمانية شهور فرضتها على 4 كيانات تجارية أجنبية، بذريعة ارتباطها ببرنامج الصواريخ الباليستية الباكستانية.
المعروف أن باكستان تمتلك أسلحة نووية، حيث أجرت أول اختبار نووي عام 1998، لتصبح سابع دولة تقوم بذلك، ويعتقد أن ترسانتها النووية تحتوي على 170 رأساً.
المستغرب في القرار الأمريكي توقيته، فهم كان لديهم منذ زمن طويل علم بسعي الباكستان للحصول على الأسلحة النووية، وغضوا الطرف عن ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أنه فقط لتحقيق توازن الردع مع الهند، التي لا تخفي سوء نيتها تجاه الباكستان، وتعتبرها منشقة عنها، وينبغي استعادتها.
صحيح أن البلدين كانا بلدا واحدا، وأن من قسمهما الاستعمار البريطاني، والتي ما فعلت ذلك إحقاقا للحق بل لأجل الفتنة بين المسلمين والهندوس، ولأن حكام الهند لقرون مضت كانوا مسلمين، حرضت الهندوس، فقسمت البلاد لإعطائهم جنوبها، وشمالها للمسلمين، وجعلت منطقة كشمير التي في الوسط تحت حكم الهند رغم أن سكانها جميعهم من المسلمين، لكي تبقى أزمة مثيرة للشقاق.
لذلك ظلت العلاقة متوترة بين البلدين، ولما أن امتلكت الهند السلاح النووي حتى استنفرت الباكستان علمائها الذين تمكنوا من الحاق بلادهم بنادي الدول النووية.
هذه اللمحة التاريخية ضرورية للدخول في لب الموضوع، وهو لماذا يحاصر الغرب الباكستان نوويا، فيما لا يبدي قلقا تجاه قوة الهند النووية؟.
الجواب البديهي والوحيد هو لأنها دولة أسلامية،.. وليس هنالك سبب آخر.
قد يقول بعض المتفذلكين، إن الباكستان دولة إسلامية منذ تأسست، فلماذا الآن فقط فطنوا الى هويتها!؟.
ذلك صحيح، لكن سكوتهم السابق عن طموحاتها النووية كان في فترة الحرب الباردة، حيث كانت الهند ميالة آنذاك الى الاتحاد السوفياتي، فوجد الغرب في الباكستان خصما قويا لها، لذلك سكت عن تسلحه وتطوير قوته، الآن تغيرت الأمور، فالهند انحدرت أكثر في العداء للإسلام بسبب تفاقم الجهل الذي ينمي التعصب، كما أن الطبقة الحاكمة استثمرت في تأجيج تلك الحالة، ولفشلها تحقيق التنمية وحل المشكلات، تحولت الى مثل ما صارت عليه الأنظمة العربية، لا تجد لها ملاذا إلا بتحقيق رضى الغرب عنها، ومتطلباته وضحة: تنفيذ أملاءاته والرضوخ له، ويتمثل ذلك بالتبعية السياسية والاقتصادية.
لذلك بعد زوال الأحوال السابقة الطارئة بوجود القطب الآخر، يعود الغرب الى تناقضه التاريخي الرئيس والوحيد، وهو التصدي للإسلام.
سيرفض مريدو الغرب واتباعه من العلمانيين العرب ذلك التفسير، قائلين مستهزئين: وما الذي يخيفهم من الإسلام!؟.
يخيفهم أنه الإيديولوجية الوحيدة المتربصة بالرأسمالية، ولهم خبرة في حروبهم الاستعمارية الطويلة بمدى القوة التي ييشكلها تعمق عقيدته في النفوس.
هؤلاء المتفذلكون من بني جلدتنا ذاتهم،هم المنافقون تاريخيا، لذلك يرفضون أن يحيلوا سبب صلابة أمتنا الى عقيدتها، لأن ذلك يعاكس جهودهم طوال القرن الماضي بإيهام شعوبنا الى أن سبب تفوق الغرب هو العلمانية، وتخلفنا سببه الدين، والفلاح لا يتحقق إلا باتباع الغرب شبرا بشر.
إن التعليل الوحيد لقرار الغرب بالتحول الى محاصرة القدرات العسكرية الباكستانية، هو منع حصول العالم الإسلامي على القوة، أي هو عداء لمنهج الإسلام وليس خوفا من الأنظمة الحاكمة، فجميع الأقطار الإسلامية تحكمها أنظمة خيطها مربوط في كف الغرب، سواء العربية منها او غير العربية، وتحقق ذلك بتمكن القوى الاستعمارية من السيطرة على العسكر فيها من خلال هيمنها على الأنظمة، وتنفيذها لبرامجه، فلا يترقى الضابط الى المناصب العليا إلا بعد مروره بدورات إعداد في امريكا، ولا يصل الى القيادات الا بعد ضمان أنه اجتاز التأهيل العلماني الكفيل لإفراغه من أية أفكار للعودة الى الدولة الإسلامية الجامعة.
بعد فشل جيوش العلمانيين، سواء البرجوازيين المثقفين بثقافات الغرب، أو المسيسين المنتسبين لبعض الأحزاب القومية والماركسية، التي أسست كبديل أيديولوجي لمنهج الله، وبعد الهزات الكبيرة في استقرارتلك الأنظمة، لم تعد لهم تلك الثقة في قدراتها في تشكيل ذلك السد المانع أمام المد الشعبي الإسلامي، قلقوا على كيانهم اللقيط، الذي يعلمون هشاشته، لذلك أرادوا خلق سد آخر هو تخلف قواتهم العسكرية، لئلا يشكل أي قطر اسلامي- فيما لو وصل اسلاميون الى سدة الحكم فيه – إخلالا بتفوق الكيان عسكريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى