في الصميم

#في_الصميم

د. #هاشم_غرايبه

تعقيبا على مقالة الخميس الماضي التي تكون عادة تحت عنوان “تأملات قرآنية”، كتب لي أحدهم معاتبا : “اتق الله في متابعيك ..” وأكمل معتبرا أن الحديث في أمور العقيدة هدفه التخدير وإلهاء الناس عن التضامن مع أهلنا في القطاع.
في واقع الأمر كثيرون ممن يعتبرون أنفسهم تقدميين، انساقوا وراء التضليل الذي مارسه التبشيريون بالعلمانية كمنهج بديل لمنهج الله، واعتقدوا أن معاداة الدين (الإسلام قصرا وتحديدا) هو الخطوة الأولى نحو التحرر والتقدم، وذلك بناء على تصور ليس عليه من دليل ان الدين فكر ماضوي عفا عليه الزمن.
وقبل أن أخط هذا الرد كنت أتابع مقطعا يصور عملية بطولية لمقاومي القطاع يظهر استدراجا لدبابات العدو شرق جباليا، بعد زرع لغم أرضي، وكان المجاهد يجلس غير بعيد وهو يمسك بجهاز التفجير ينتظر مرور صيد ثمين، وبالطبع قد يستغرق ذلك وقتا، وخير ما يشغل به نفسه خلال الانتظار هو قراءة القرآن، فتعمد المصور أن يظهر لقطة له والمصحف مفتوح أمامه وهو يقرأ منه .. الى أن جاءت دبابة العدو ففجرها.
فقلت سبحان الله، لقد جاء هذا الفيديو في وقته المناسب، وهو يغنيني عن الرد على ذلك المعاتب.
عندما نفذ الأبطال المجاهدون عملية السابع من تشرين، وحققوا فيها انتصارا كاسحا، ونتائج باهرة ما زال العدو يئن من صدمتها الى اليوم، لم يكن هؤلاء يرفعون شعارات قومية تمجد العرب، ولا يهتفون أمة عربية واحدة، ولا يا عمال العالم اتحدوا…، كانوا يهتفون الله أكبر.
في منظور القيم المادية والحسابات الواقعية، لم يكن لتلك العملية أي نصيب من النجاح، فالرقابة عليهم جوا وبرا وبحرا لصيقة، وبأجهزة باهرة التقدم التقني، والمناطق التي اجتاحوها شديدة التحصين، ومسورة بطبقات متعددة من الأسوار المادية والإليكترونية، يستعصي اختراقها على الدبابات والطائرات، ..فكيف اخترقها أفراد مشاة بأسلحة فردية بسيطة، وكيف سيطروا على كافة المواقع ودخلوا الى المعاقل السرية، فاستولوا على الوثائق وأخذوا معهم مئات من الأسرى الذين لم يكونوا مدنيين عزل كما أشاع مناصرو الكيان اللقيط، بل جميعهم مدججون بالسلاح، ذكورا واناثا، سواء كانوا عسكريين نظاميين أم في الاحتياط، فكل مواطني الكيان اللقيط مقاتلين مدربين.
لكن هؤلاء عند مجابهة المؤمنين جبناء رعديدون، وما أبقاهم الى الآن محتلين لديار المسلمين الا الحماية والتحصين من الغرب ومن أعوانه لدينا، لكن الله يصدق وعده: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141]، فحقق لأبطال المقاومة عنصر المباغتة: “فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ” [الحشر:2]
التفسير الوحيد لنجاح تلك العملية هو أن الله كان معهم، وعندما حققوا متطلبات النصر نصرهم، والتي ليس من بينها التكافؤ في العدد والعدة، بل تقتصر على متطلبين مقدور عليهما: الأول الإيمان بأن الله أكبر من كل قوي واخلاص النية باتباع منهج الله، والثاني الإعداد والتدرب والتخطيط بأقصى ما بالإمكان، ثم التوكل على الله والتنفيذ بنية جهادية صادقة.

ربما أراد الله بنصرهم تعليمنا أن لا نخشى التفوق الساحق للعدو حاليا، وتنبيهنا الى تقصيرنا بحق أنفسنا عندما تخاذلنا وغلب على حكامنا الران، فانهزمنا على كثرتنا وغنى مواردنا، فلم تغن عنا شيئا.
إن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يصدق بوعد الله، وأنه ما بعث رسوله بالدين الحق ليهزم، ولا أنزل للناس هديه لكي يطفئه الظالمون، لذلك جعل سنة النصر العامة للبشر بتغلب الأقوى، لكنه خص عباده المؤمنين بسنة خاصة أقوى من السنة العامة، وتحقق النصر بتوفر الشرطين الآنف ذكرهما.
الضالون المكذبون يعلمون ذلك بالتجريب تاريخيا، لذلك يريدون صد المؤمنين عن منهج الله حتى يفقدونهم هذه المزية، فيهزمون بتحقيق السنة العامة التي يمكن أن يحققها الكافر والمؤمن، لكنهم لأنهم اختاروا الكفر فقد حرموا أنفسهم من الاستفادة من السنة الخاصة.
لأجل ذلك نرى الحرب شعواء على متبعي منهج الله والدعاة لتطبيقه كنظام سياسي ناظم لحياة الناس، لأنهم يعلمون أن الله لن ينصر مؤمنين لا يقيمون منهجه، فكيف إن صدوا عن منهجه وأصدروا قوائم بأسماء من يتبرعون للمقاومة الإسلامية أو يناصرونها، فيعتبرونهم ارهابيين !؟.
هل من يعادي منهج المجاهدين يناصرهم أم من يتبع منهجهم ويدعو الأمة للتمسك به!؟.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى