في الصميم

#في_الصميم

د. #هاشم_غرايبه

يذكر التاريخ أنه بعد ماحدث في “صفين” أحس ملك الروم بأن موازين القوى تميل لصالح معاوية، فاغتنم الفرصة وأرسل الى علي رضي الله عنه يعرض عليه الدعم العسكري ضد معاوية، لكن علياً كان رده عليه قاسيا، إذ قال: لو جاء جيشك لانضممت الى معاوية ولقاتلناك معا.
هنا تظهر قيمة الإيمان والعقيدة، فلا تعلو أية مصلحة عليها، ومن كان قلبه سليما من النفاق والشرك لا تلتبس عليه الأمور ولا ينخدع بالمغريات، فلا يوجهه غير العقيدة ولا يسترشد بغير شرع الله.
لا شك أن مشاعر الحزن والأسى قد فاضت بها نفوس كل أبناء الأمة إثر نجاح العدو باغتيال نصر الله ورفاقه، ولا تنتقض هذه المشاعر بما كان عليه موقفنا تجاه حزب الله من إدانة لما تحمله من أوزار مناصرة النظام السوري على المسلمين من أبناء سوريا، وما اقترفه من مجازر وما مارسه من تهجير له، فمسؤوليته عما آلت أليه سوريا من دمار وخراب لا تقل عن مسؤولية بشار ومناصريه الإيرانيين والروس من ناحية، ولا عن مسؤولية الأمريكان وعملائهم من الأنظمة العربية العميلة لها من ناحية أخرى.
لذلك فادانتنا تشمل جميع هؤلاء، وكل حسب دوره في تنفيذ هذه الكارثة، ثم يردون الى خالقهم، فهو الأعلم منا بهم وبأفعالهم، وسينالون عنده جزاء ما اقترفوه.
لذلك فمن المؤلم أن تجد من بيننا من يشارك العدو وداعمية الأوروبيين فرحتهم بنجاحهم بذلك الاغتيال، وحجتهم في ذلك أنه يتحمل المسؤولية كقائد لحزب قائم على أساس طائفي، وأن له يدا في الجرائم الكثيرة في التنكيل بأبناء الشعب السوري الذي ثار على حاكمه السفاح ساعيا لحقه في الحرية والكرامة.
صحيح أنه من الصعب تناسي جرائم حزب الله في حق السوريين والأمة، لكننا أيضا يجب أن لا ننسى بطولاته في التصدي لعدو الأمة، كما أنهم أولا وآخرا مسلمون، ولا يجوز تكفير من يشهد أن لا إله ألا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وحتى لو كانوا متبعين فرقة ضالة، وواجب المسلم نصرة أخيه المسلم على عدو منهج الله، وليس قتالهم.
لذلك فمن أكبر الكبائر محالفة أعداء الأمة على فئة مسلمة حتى لو كانت ضالة، ومن يفعل ذلك فهو المنحرف عن منهج الله لأنه عصاه إذ قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” [المائدة:51]، ومن أعظم الموبقات إتيان أمر اورده كتاب الله واستعمل فيه تعالى لا الناهية لنهي المؤمنين عنه، وقد أجمع العلماء أن ذلك يخرج من الملة.
لذلك فعقد أي حاكم مسلم تحالفا مع العدو ضد فئة مسلمة مخالف لأمر الله، ومن يؤيده أو يبرره أو يقبله فهو شريك في الإثم، وبناء على ذلك من يردد الأقوال التي يشيعها مؤيدو تلك الأنظمة الفاسقة، مثل القول بأن الشيعة أكثر خطراً من الص-هاينة، فليحذر أن يحبط إيمانه فيلقى الله مفلساً، ويكون قد خسر الدنيا والآخرة.
ولو أخذنا الأمر من الناحية السياسية وما يحقق مصلحة الأمة، فلا شك أننا في هذا الوقت أحوج ما نكون الى تجميع الصف والتركيز على ما يحقق ذلك، خاصة وأننا لسنا حاليا في موقع قوة بل في أشد حالات الضعف، بعد أن تمكن عدونا من سبقنا بأشواط بعيدة في مجال التقدم التقني والتفوق العسكري، كما أننا في أشد الحاجة الى بناء أوسع شبكة تحالفات مع قوى عالمية ليس شرطا أن تكون إسلامية، وحتى مع أخرى لا تكن الود للإسلام، إنما ذلك من باب عدو عدوي صديقي.
ان نشوء الفرق الإسلامية المختلفة بقي طوال العصور خلافات على الفروع، ولم تكن هنالك فرقة خالفت في أصول العقيدة أو أركان الدين، لذلك لم يضعف ذلك الأمر الأمة، وما حدث من اقتتال داخلي فيها كان دائما على السلطة، وهذا أمر طبيعي في طبائع البشر، والإيمان يصلح النفوس بدرجات متفاوته، لكنه لا يمكن أن يلغي الأنانيات، لأنه بذلك ينقل البشر الى الملائكية وهذا مستحيل.
ما نحن بأمس الحاجة إليه هو تجميع كل القوى، ورصد كل إمكانية، لأجل الخروج من واقعنا المتردي والنهوض بالأمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى