
في الإرشاد إلى سبيل الرشاد 3
المرتبة الثانية
الإرشاد بمعنى إتباع الحق والصواب والسداد
قال تعالى (( وقال الذي آمن يا قومي اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد)) وكما في قوله تعالى :(( وما أمر فرعون برشيد))
ولان الحق مجاله واسع وكبير وهناك حقائق واقعية وحقائق علمية ودينية …,,,,,,إلى ما هنالك
سنحاول أن نتحدث في هذه المرتبة الثانية من مراتب الرشد عن الحق من خلال التركيز على الواقع الخارجي , وواجب الوجود , والأسرة , والتعرف على الذات
ما هو الحق ؟
الحق على الحقيقة واضح الطريقة بذاته يعبر عن نفسه بنفسه ، ما لم تجد العقول الصافية ، والأسرار الموجبة النافية طريقا إلى جحوده ، وﻻ سيلا إلى نفيه اضطرارا قام عليه البرهان ، ﻻ تقليدا لما رواه زيد عن عمرو وﻻ عمرو عن زيد ، فان واجهه الشك خرس ، وان قابله الإفك بهت ، لأن الحق لا يعتمد على الشكوك وتخيلاتها ، وﻻ على أباطيل الافك وتبريراتها؛
وأول ما تشهد به العقول ( بأن الحق وجود الله الموجد لكل موجود )
و عكس الحق الباطل الذي هو ظل زائل محال حائل ﻻ وجود له على الواقع إنما ينبع عن طريق تخيل الإنسان له ؛ فتعامل الإنسان على الحق هو إن يؤمن به ويصدقه سواء رغب بذلك أو لم يرغب ويبينه للآخرين فإن قبلوا به فقد فازوا وإن رفضوه خسروا ، والحق لا يتغير من شخص إلى شخص ، أو من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان، ولكن قد يكون أشد ظهورا في عقول أهل الصلاح والرشاد منه عند أهل الغي والفساد ، وقد تختفي كثير من الحقائق لغياب العقلانية الراشدة وطغيان الخرافة ، والأمثلة الواضحة على ذلك من خلال ما أكتشفه العلم من قوانين الطبيعة مثل قانون الحركة والطاقة والجاذبية وغيرها كانت موجودة قبل أن يكتشفها الإنسان وقد تستمر الكثير من هذه الحقائق التى لا يجادل الإنسان فيها .
وأما الباطل فهو تخيل وجود شيئا ما أو تأثيره مع أن الواقع يدحض ذلك ، كذلك الباطل يتغير من شخص إلى شخص ومن أمة إلى أمة ومن مكان إلى مكان , ومن الأمثلة على ذلك كشخص في داخل كهف يرى على حائط الكهف ظل أشكال فيتخيلها فلو خرج من الكهف لاراها مختلفة كذلك أبو الباطل لو خرج من كهف غيه وغوايتها لشاهد الأمر على حقيقته، وأوضح مثال أهل الاعتقاد بقوه البشر أنهم يختلفون عن البشر الحاليين بالطول أو العرض أو صفات ، أو ادعاء بعض ، بعض المتألهين أنهم جاءوا نتيجة توالد الشمس والقمر ، أو تأثير حركه النجوم .
لقد ميز الله تعالى الإنسان عن الحيوان بالعقل، وﻻن الحيوان ليس لديه عقل ، فبالتالي ليس لديه خيارات متعددة بعكس الإنسان الذي لديه عدة خيارات متعددة ، لكن هذا بحد ذاته لا يجعله دائما يختار الأفضل فقد ﻻ يوفق باختيار الأفضل أوﻻ يختاره أصلا ، والأسوأ من ذلك حين يختار السيئ على الحسن ،ومن أصعب الأمور حين تكون الخيارات محدودة أو يبرز أمامه خيارات كلها باطلة , ومن هنا تتميز الشخصيات والقدرات, ويتوقف صواب اختيار أي فرد منا بحسب ما يمتلكه من عقل ومنطق ومعرفة وخلق كريم ،
ومن يختار السلوك السيئ
فانه يضر نفسه قبل غيره . ويضر غيره .ليس كما يظن البعض أن ذلك من أجل الله فالله جل جلاله
لا يضره شيء ، فمن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد..
يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم .
..الحق. والصواب هو السطر الأول في خارطة الحياة الإنسانية .
ما الذي أفعله ؟
وما الذي ﻻ أفعله،؟
ما الغاية التي أريدها ؟
ما الخيارات المتاحة لي لتحقيق هذه الغاية ؟
ما النتائج المتوقعة ؟
ما المخاطر المتوقعة?.
ومن هنا تبز أهمية الحق .
** أهمية الحق :
ببساطة، لأن الحياة تأتي بنتائج للمواقف الصائبة أو للمواقف الخاطئة . فإن إعطاء شخص مقدار خاطئ من الدواء قد يقتله؛ إن القيام باتخاذ قرارات خاطئة يمكن أن تؤدي بحكومة إلى الإفلاس , أو بشريكة الى الإفلاس أو بعائلة إلى الإفلاس ؛ إن ركوب مركبة أو طائرة باتجاه خطأ سيأخذك إلى مكان قد لا تود الذهاب إليه؛ واختيار شريك حياة غير أمين يمكن أن تكون نتيجته تدمير العائلة بل وربما الإصابة بالأمراض.، وسواقة السيارة بسرعة جنونية قد تؤدي إلى حادث مؤلم أو الوفاة ، و تناول والمخدرات ، وما شابهها ، والإقدام على الجريمة …. وكثير من مثل هذه التصرفات الغير صائبة وﻻ حقة , لها نتائج ضارة وغير مرضية .
ورغم معرفة الإنسان بضررها و بعدم صوابها اﻻ انه يفعلها .
العقل مفيد والمعرفة مفيدة ولكن الإنسان إما أن يستخدم عقله وإما لا يستخدمه فيعطله ويكون كالأنعام بل هو أضل، أو انه يستخدمه بغير الحق فيضر نفسه ويضر الآخرين ، ونفس الشيء يقال فيما هو حق وفيما هو باطل ، فرغم علمه المسبق بالحق قد تطوع له نفسه ان يختار الباطل ، وحين ﻻ يراعي هذا الجانب فقد يصل إلى ارتكاب اكبر الجرائم وأخطرها وهي قتل النفس كما فعل قابيل بأخيه هابيل حين طوعت له نفسه قتل أخيه .
ﻻ شك إن من أهم ما يسعى إليه أهل العقول هو تمييز ألحق من الباطل والتحيز إلى الحق ضد الباطل , وما لم يتم نصرة الحق والعمل على إظهاره وكشفه وبالأخص إن التبس به الباطل , إذ لا قيمة لحق ﻻ يعمل به , وبطبيعة فان الصراع بين الحق والباطل قائم منذ أن خلق الله الخلق منذ نبأ أبنيي آدم إذ تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر.
للحق جنوده ووسائله
الحق يهدي إلى الصدق والعدل والإحسان والبر …
الباطل يهدي إلى الكذب والتضليل والظلم والفحشاء والمنكر , والبغي , والطغيان ,
الحق طريق السعادة في الدنيا والآخرة .
ولأن السعي لتحقيق السعادة من أهم الحقوق الطبيعية للإنسان بعد حقه بالحياة، فان السعي إليها ممكن ومتاح من خلال تعرف الإنسان على ذاته أولا :
يمكننا القول : أن الإنسان ﻻ يستطيع بداية أن يحيط علما بنفسه ﻻن ذلك من أصعب المهمات، ولكنه يستطيع أن يتعرف على نفسه ، من خلال تعرفه على مهاراته وقدراته وكلما أكتشف ذلك مبكرا كلما مكنه من النجاح وتحقيق ذاته ، فكل شخص منا له قدرات ومهارات لو تمكن من اكتشافها والاستفادة منها، وأحسن التصرف فيها واستغلالها لحقق فائدة له ولغيره ، وهو في هذه المرحلة من مراحل الرشد يحتاج إلى مساعدة أسرته في اكتشاف مواهبه وتطويرها، وتشجيعه .
حتى يظهر مواهبه وﻻ يكبتها ، وعلى المجتمع التعامل معه بايجابية ومساعدته ، ونفس الشيء على مؤسسة الدولة والمؤسسة التعليمية، ومؤسسات المجتمع المدني.
وﻻ يستطيع أحد أن تخيل مدى الضرر على الفرد والمجتمع حين يتم إهدار هذه الثروة للشباب وضررها على المجتمع وعلى الإفراد أنفسهم وعلى الأسرة التي كافحت من أجل ترى ثمرة أفرادها، وتستفيد منهم ،
وهنا تبرز مشكلات معقدة تتسبب بظهور صراعات بسبب الفقر والجهل وغياب التنمية وبدلا أن يكون الشباب عامل خير وتنمية وإنتاج يتحولون إلى عالة على المجتمع وعلى الأسرة. ، وبدلا من استغلال مواهبهم، يحسدون غيرهم ويقفون ضد الراشدين منهم الذين استغلوا مواهبهم فلا يعترفون لهم بذلك، يحاولون التقليل من جهود غيرهم بالدعوى الباطلة أن عمل غيرهم غير مجد
، أو أنهم شركاء لهم بذلك التفوق ، وبدلا. ان يلوم نفسه بعدم الاستفادة من قدراته يلوم الآخرين ، ولأنه على باطل سيستخدم وسائل الباطل التي هي الكذب والبغي والظلم ،
ولأن المجتمع يحتقرونه سيستخدم الكبر والقوة لفرض نفسه عليهم قال تعالى :
(( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) )) من سورة الأعراف.
ولأن السعي الحسن والحق سمو وارتفاع والفاشلون ساقطون سيلجأؤن للتعريف بذواتهم من خلال الأفعال المجرمة وﻻ ما نع لديهم أن يسلكوا سبيل ألغي ويحملون السلاح وينضمون بصف أمراء الحروب والعصابات ، والإرهاب .
فالإنسان عدو نفسه بالمقام الأول ، والأعداء ﻻيستطيعون ضرره والوصول إليه اﻻ من خلاله وانحرافه عن الحق ولقد كانت أول خطيئة رغبة أبونا أدم أن ينال أكثر مما يستحق وإيثاره لنفسه بالخلود والملك قال تعالى: (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) من سورة الأعراف .
أما الحادثة الثانية فلم تكن خطيئة فقط بل وجريمة كبرى ومن أعظم الجرائم .
حين طوعت لقابيل نفسه الشريرة قتل أخيه البار هابيل ، فلم يقتل هابيل فقط بل وقتل الحق ، وقتل الحياة قال تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) من سورة المائدة.
إن فشل قابيل الذي لم يقم بما يجب ليننال القبول لم يتوقف فشله على خسرانه بل دفعه على قتل أخيه البار ،
و إقدام قابيل على قتل هابيل لهو أكبر دليل على غي قابيل وغوايته ، فلم يختار السلوك الحسن الذي سلكه أخوه حتى ينال
القبول ، وانه كان لديه فرصة أكيدة لم يستغلها وأراد أن يأخذ نفس المكافأة التي حصل عليها أخوه دون مقابل ، ان الإجابة التي أجاب بها هابيل حين لم يكن لديه سوى خيارين إما القتل وهو( الإثم ) أو الخيار الآخر عدم القتل وهو ( البر) ) فاختار البر على الإثم . وشتان ما بينهما.
وبهذا الاختيار برهن من جديد صواب أحقيته تقبل ما قدمه، والى جانب هذا قدم في سبيل الحق أكبر تضحية وهي نفسه
ولو أختار نفس خيار أخيه لكان شريرا مثله ولقال قائل لم يكن يستحق تلك المكافأة من ربه.
وهكذا كلنا معرضين لمثل هذه الاختبارات و… تبرز أمام الشخص خيارات متعددة بعضها مفيدة وبعضها غير مفيدة ويتوقف حسن الاختيار من عدمه على عدد من العوامل منها الهوى والتمني وغيرها فالشخص المتوازن هو الذي يتغلب على الرغبات غير الواقعية ويتعامل مع الرغبات المفيدة والممكنة ويوازن بين متطلبات عديدة للإنسان الذي يحمل مشاعر وأحاسيس ومعرفة بين ماضيه وحاضره ومستقبله
الإنسان يتميز عن غيره من المخلوقات بما وهبه الله من علم ومشاعر وأحاسيس فبعد تعرفه على ذاته يحتاج إلى التعرف على محيطه من خلال ثلاث مكونات :
1 – الإله وهو الخالق سبحانه وتعالى :
2 – الإنسان والذي هو واحد منهم :
3 – والكون بما فيه من مخلوقات غير الإنسان
وعلاقته بهذه المكونات الثلاث
ثم يوازن إمكانيته مع متطلبات وقته ومكانه
من خلال النظر إلى
الماضي
والحاضر
والمستقبل
فيعطي كل بما يستحقه بحسب قدرته وجهده
سنتحدث عنها في الموضوع التالي .