
فكرة “دولة فلسطينية” في خطاب ترامب
د.رياض ياسين
لطالما نجحت حكومة نتنياهو الحالية بمواصلة الهجوم الاعلامي لمجابهة إصرارا واقتناع أدارة الرئيس اوباما بفكرة حل الدولتين،هذه الفكرة اي “حل الدولتين” جاءت من نهاية التسوية اعني أن قيام دولة فلسطينية لم يكن شرطا مسبقا للإدارات الامريكية في مساعيها لحل ازمة الشرق الأوسط،بل كان الإعلان عن أهمية التسوية والتفاوض بين المتنازعين.
لقد تجمد ملف التسوية للقضية الفلسطينية في ثلاجة اوباما كما تجمد الكثير من القضايا العربية الملحة في ثلاجة بحر البلطيق والأرتقيق،وانكفات السياسة الأمريكية الفعلية في الحضور على مسرح الشرق الأوسط رغم وضوح الخطاب الامريكي الديمقراطي زمن اوباما ودعاية الديمقراطية هيلاري كلنتون.
الخطاب الأمريكي في أكثر من مناسبة رغم وضوحه غير انه كان يشير الى “دولة فلسطينية” وليس الى “الدولة الفلسطينية” بأل التعريف ،وهنا من المهم القول أن أل التعريف تعني ان هناك حقا للفلسطينيين معروف تاريخيا ومقر به من قبل العالم في حين أن تعبير “دولة فلسطينية” يؤشر على فكرة أقرب للتمنن في هذا السياق على هذا الشعب وكأن الفلسطينيين يمنحوا حقهم في إقامة دولة على أرض لاتشكل أدنى طموح لهم في مساحتها،هذا ناهيك عن التقطيع والكانتونات التي ستقام عليها مجموعة من دول فلسطينية في الضفة الغربية ودولة غزة لانه لايمكن ان يكون في حساب الاسرائيليين إقامة تواصل عبر ما تعتبره أراضيها بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الدولة الفلسطينية التي باتت حديثا مستساغا مريحا للمسؤولين الغربيين لم تعد اكثر من رمزية لخطاب يدغدغ حلما ماضيا نستفيق على سماعه في إطار التصريحات المتعلقة بالحل على الصعيد الفلسطيني الاسرائيلي،والدولة الفلسطينية “المشروع” باتت موثقة في صفحات مقننة من الاتفاقيات الدولية شأنها شأن القرارات الدولية العديدة والمستمرة التي صدرت بحق اسرائيل الدولة المحتلة للأرض العربية في فلسطين.
اين هي الدولة الفلسطينية زمانا ومكانا حسب الرؤية الامريكية؟ ثم اين هي الدولة الفلسطيينة وفقا لحكومة اسرائيل الحالية؟ وما الذي ينتظره العرب بعد إطلاقهم مبادرة السلام العربية التي نسخت خطابهم السياسي وادبيات القضية على مدى عقود؟ ثم كيف يمكن قبول التصريحات الاسرائيلية حول ان قيام دولة فلسطينية من شانه ان يهدد وجود اسرائيل؟
الاقتراحات الامريكية حول وجود خطة سلام جديدة تماما لحل الدولتين ظهر انها غير جدية،صحيح ان أوباما ألمح الى إمكانية قيام دولة فلسطينية بعد ان يتم تقاسم السيادة على الارض-لكن عن اي أرض يتحدث- مقابل ان يقوم العالم الاسلامي بقبول اسرائيل في محيطه كيانا يضاف الى تنوع هذا االعالم الاثني والديني والاقلياتي والمذهبي ،بعد ان بات واضحا على ما يبدو انه قد يتعذر قبول اسرائيل في محيط العرب كون الثقافة العربية هي الطاغية على الرقعة الممتدة من الاطلسي غربا الى الخليج العربي شرقا.
الموقف الأمريكي للديمقراطيين عبر عنه اوباما في طروحاته حول القدس، التي يراها موحدة غير مقسمة،فلم يتحدث عنها الا بوصفها مكانا “لكل ابناء ابراهيم ليختلطوا معا بسلام”،فالقدس ليست مطروحة بوصفها مقسمة كعاصمة بين دولتين كما كان الطرح زمن كلنتون في كامب ديفيد (2)عام الفين، فمكان العاصمة وفقا لكامب ديفيد في مناطق من المدينة،بحيث أن كل طرف يتخذ من القدس عاصمة له في المناطق التي يسيطر عليها ،وكل منهما يعترف بها عاصمة للطرف الاخر في منطقته،هذا الطرح غير وارد في خطاب امريكا الحالي مع اوباما ،فهو امام الايباك وقبل اعتلائه الرئاسة صدر عنه وعد بان القدس غير المقسمة سيسمح فيها بالاختلاط فقط بين المسلمين والمسيحيين واليهود،فهي وفق ذلك عاصمة اسرائيل موحدة غير مقسمة. وهذا تماما ما يراه الاسرائيليون لمستقبل عاصمة الثقافة العربية مع مسحة أكثر عنفا في خطاب نتنياهو بأن هذه المدينة أبدية للشعب اليهودي موحدة وليست قابلة للتقسيم بحال.
أما ترامب فموقفه من القضية الفلسطينية أقل وضوحًا وإن كانت هنالك دلالات تشير لكونه أكثر دعمًا لاسرائيل وأمنها ،وربما صرح أكثر من مرة ان القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل، ومن هنا نستنتج ان الخطاب الأمريكي مع ترامب لن يكون حاسما وجديدا، بل استنساخ لخطاب الديمقراطيين، فمن يرفض التفاوض على القدس ويصر على يهوديتها يمكن ان يكون اقرب الى فكرة “الدولة ا ليهودية” التي تعني استحالة قيام كيان فلسطيني في الارض العربية في فلسطين، ومن هنا لا يمكن الحديث عن “الدولة الفلسطينية” وأقصى ما يمكن الحديث عنه وفقا لتوجهات ترامب هو فكرة “دولة فلسطيينية” دون الخوض في اي ثوابت للخطاب العربي حول الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
rhyasen@hotmail.com