فذكّر إن نفعت الذكرى

فذكّر إن نفعت الذكرى
د. هاشم غرايبه
معجزة #الإسراء_والمعراج كانت حالة تاريخية فارقة، كان فيها قد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابتلاء شديد في #عام_الحزن، وتضييق وحصار من المشركين، فجاء الفرج من الله بمعجزة ليس لها نظير، وتكريم لم ينله أي نبي قبلا.
مما يميزها أنها حدثت في زمن قريب نسبيا (قبل 15 قرنا فقط)، في زمن تطورت فيه معارف البشر مما وفر مجالا لمناقشتها بالمنطق العقلي، لذلك اختلفت عن كل المعجزات التي رافقت الرسالات السابقة، فلم تأت بخوارق لما اعتاده الناس في نواميس الطبيعة، من تلك التي كان يعتبرها المكذبون سحرا، فقد كانت إخبارا بأمر لم يحدث قبلاً، إذ لم يكرم الله نبيا سابقا بأن نقله خارج كوكب الأرض، وأراه من آياته الكبرى التي حجبها عن كل البشر، كما أن التكريم الأعظم كان بأنه لم يدع ذكرها مقتصرا على رواية النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أنه الصادق المصدق، بل أنزل بها قرآنا يتلى الى يوم الدين، فورد الإسراء في سورة الإسراء، وورد المعراج في سورة النجم، لذلك فهي ليست مجرد رواية تاريخية منقولة عبر البشر، فلا مجال للشك في حدوثها، وذلك كافٍ للمؤمن لأن يوقن بحدوثها ماديا، ولا يلتفت الى أقوال المخرصين بأنها مجرد رؤيا في المنام.
لقد فاجأت هذه الحادثة المجتمع القرشي في زمنها، فحتى المؤمنون كانت صادمة لعقولهم، لكن سرعان ما جاء الدليل المحسوس على صحة حدوثها، ولما لم يكن سهلا استيعاب المعراج، فلم يكن أحد يصدق أن الإنسان يمكنه أن يخرج من فضاء الأرض، لذلك اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات حدوث الإسراء، فكان إخباره بمكان القافلة القادمة وفقدانها بعيرا دليلا قاطعا، ووصفه بيت المقدس دليلا آخر لمن يعرفه، مما أسكت المشككين، فزالت بذلك شكوك بعض المؤمنين.
المنطق يقودنا إلى أنه بما أن مشركي قريش أخرست الأدلة المادية ألسنتهم، وهم أحرى الناس بتكذيب الحادثة، فلا يجوز لمن جاء بعدهم العودة الى التكذيب بها، فقد انقضى زمن مناقشة الأمر، وأصبح حدثا تاريخيا ثابتا، لذا فكل من يعود لمناقشة ذلك فهو مجرد مكابر مخالف للمنطق.
ومع أن هذه حجة منطقية دامغة، إلا أن المنافقين لا ينفكون يعودون لتلك النغمة البائسة بالقول أن الإسراء والمعراج قصة خيالية.
من ذلك ما رأيناه مؤخرا في مصر، ممن أنعش نجاح انقلاب السيسي آمالهم بقطع الصلة بالإسلام، يخرجون من جحورهم ليفحوا سموم الحقد.
لا يستحق هؤلاء الرد، فليس بإمكانهم إقناع مؤمن واحد بصحة ادعائهم، وهم لا يبتغون سوى الأعطيات من النظام الذي يحتضن مثل هؤلاء النكرات، وسيلقون جميعا مصيرهم المحتوم، بعذاب الخزي مرتين الذي وعدهم إياه رب العزة: “فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” [الزمر:26].
لا شك أن لكل أمر حدث في زمن التنزيل حكمة أرادها الله تعالى، نستخلص منها العبر ونتعلم الدروس. ولعل أول تساؤل يخطر في البال: ماهي الحكمة من أن يكون المعراج الى السموات العلا من المسجد الأقصى وليس من البيت الحرام مباشرة؟.
لقد أراد الله الربط بين المكانين اللذين أسبغ عليهما القدسية، فهما مركزان انبثق منهما الهدى الى صراط الله المستقيم، فأراد الله من المؤمنين أن يرتبطوا وجدانيا بهذين المكانين ولا يفرطوا فيهما أبدا، لأنه يعلم أنه سيأتي زمان كدأب الأمم السابقة، سيبتعد فيه المسلمون عن اتباع منهج الله، ويُحكموا فيهم منهج الطاغوت، وإنفاذا لسنته الثابتة في كل الأمم الذين يستبدلون بنعمة الله وهداه الضلالة، يسلط الله عليهم أعداءه الذين كتب عليهم الذلة أصلا: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ” [آل عمران:112]. فحبل الله هنا أنه يهيء لهم من يمدهم بوسائل القوة، وحبل الناس هم منافقو الأمة الذين سهلوا لهم احتلال الأقصى، ويدعمونهم بالتحالف معهم، ويحمونهم بالتطبيع، لكي لا يطالب المسلمون باستعادة المسجد الأقصى.
الآن يعمل المنافقون على التشكيك بحدوث الإسراء والمعراج لإزالة هذا الرابط العقدي الذي أوجده الله بين المكانين تمهيدا لتحقيق الجزء الثاني من خطة أوليائهم شياطين الإنس (المسار الإبراهيمي)،وهو سيطرة أعداء الله على بلاد المسجد الحرام تحت مسمى التسامح الديني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى