فذكر إن نفعت الذكرى
د. هاشم غرايبه
جاء #العدوان الأخير على #غزة، الذي شنه التحالف العالمي ذاته الذي شن #الحملة #الصليبية الأخيرة تحت مسمى الحرب على الإرهاب، لكنه في هذه المرة نفذ بالمخلب الصهيوني، فكان كما قدره الله تعالى حلقة من سلسلة الإبتلاءات التي يسوقها الله بين الحين والآخر لتمحيص الأجيال المتتالية من أمته، وفرز الصادقين فيما عاهدوا الله عليه، من المنافقين الذين تظاهروا بأنهم مؤمنون، ولكنهم في حقيقتهم لما يدخل الإيمان في قلوبهم، وغرهم أنهم أنهم برفع شعارات حب الوطن ونية تحرير #فلسطين قد اختلط على الناس تمييزهم، وأنهم لن تنكشف نواياهم.
لقد أراد الله تعالى بحكمته البالغة أن يدفع هؤلاء الى كشف أنفسهم بأنفسهم، فها هم مستمرون في التعاون مع العدو الغاصب، ينفذون إملاءاته وينشرون ما يشيعه بهدف تهديم الروح المعنوية العالية التي نشأت جراء فشل العدوان الأخير بالنيل من المقاومة.. فما زالوا يسمون المحصورين في قطاع غزة والمدافعين عن أنفسهم بصواريخ من صنع أيديهم بأنهم إرهابيون، ويسألون السؤال الخبيث: ماذا حققت هذه الصواريخ العبثية؟.
هؤلاء هم المنافقون حقا، والذين حذرنا الله تعالى من اعتبارهم أنهم منا: “لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” [التوبة:57].
يجب علينا أن نتوقف لنفهم لماذا سمى الله هؤلاء المنافقين والسماعين لهم بالظالمين، وتوعدهم بأنه عليم بما يحاولون أن يخفوه وسيحاسبهم عليه بما يستحقونه.
كما يجب على من ينجرون ببلاهة الى السماع لهؤلاء وترديد أراجيفهم بحق من يطالبون باتباع منهج الله التنبه الى خطورة فعلهم، فقد أجملهم الله مع المنافقين.
المنافقون يعلمون ما يفعلونه، وسيستمروا دائبين في نهجهم الى أن يلقوا يومهم المخزي الذي يوعدون، ولن ينفعهم نصح ولن تثنيهم حجة.
لكن السماعين لهم ما زالت لديهم فرصة للمراجعة وتصويب المسار، فإلى هؤلاء أتوجه بحديثي عسى الله أن يتوب عليهم قبل فوات الأوان.
مما لا شك فيه أن الظالمين سيكون مصيرهم في الدرك الأسفل من النار، لكن مصيبة أعوان الظالمين ستكون أكبر، فهؤلاء لم يجنوا خيرا في دنياهم بمعاونة الظالمين ومناصرتهم لكنهم لاقوا المصير ذاته، وبذلك فهم الأخسرين أعمالا، إذ أضاعوا دنياهم وآخرتهم.
فكما حرّم الله الظلم حرّم إعانة الظالم على ظلمه، بل حرّم مجرد الركون إلى الظالم وتوعد من يركن إليه بالنار: “وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ” [هود:113].
قال ابن الجوزي: ”مساعد الظلم ظالمٌ ” فكل من ساعد ظالمًا أو قدم له عونًا أو دعمًا أو أعلن تأييدًه فهو ظالم شريكٌ له في الإثم والوزر بقدر ما قدم أو أيّد وساند.
روي أن سفيان الثوري كان يحذر من ممالأة السلطان الظالم وتبرير أفعاله بدليل أن الله جمع آل فرعون معه بالعذاب (وآله ليسوا أهل بيته بل كل من يتبعه ويعينه بتنفيذ أوامره)، فجاءه خياطٌ فقال: “إني لا أتدخل في أمور السلطان (وكان السلطان ظالمًا)، ولكني أخيط ثيابه فقط، هل أنا من أعوان الظلمة؟، فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط ..!!”.
الحديث هنا عن أعوان الظلمة، والذين لا يقل إثمهم أو عذابهم عن الظلمة، لأنهم لولاهم لما تمكنوا من فعل الفظائع وارتكاب الجرائم واستحلال الدماء المعصومة، وكل شخص سيحاسب بما قاله أو فعله: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” [الزلزلة:7-8].
ولن يشفع له قوله إنني كنت أنفذ الأوامر، ولم يكن فعلي باختياري، فقد استبق الله تعالى حجتهم هذه: “قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا”.
وليحذر السماعون للمخذلين عن نصرة مجاهدي غزة، بذريعة أنهم يتلقون دعما من إيران، فهل كانوا ليلجأوا لها أو للصين، لو أن هؤلاء اللائمين (معسكر التطبيع)، قاموا بواجب نصرتهم، أو على الأقل لم يحالفوا الأعداء ويحاصروهم معهم!؟.
بعد أن تبين لنا أن السماعين للمنافقين الظالمين، سيحشرون معهم، ليحذر هؤلاء من غضب الله، فلن ينالوا شفاعة رسوله، بدليل قوله تعالى: “إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ” [التوبة:80]، وسيجدوا كل عباداتهم وطاعاتهم هباء منثورا.
لكن الله الرحيم منح هؤلاء فرصة أخيرة، فمن تاب عما سلف، فقد اتخذ الى ربه سبيلا.