
#فدائية_أب..
#خاص_سواليف_الإخباري
مقال الأحد 17-8-2025
#أحمد_حسن_الزعبي
في السابع عشر من آب ، قبل ثمانٍ وثلاثين عاماً، #مات_أبي..كنت طفلاً منسحباً من طفولته قسراً ،منذ أن تشكّل الوعي عندي وأنا أخاف من #لحظة_الموت ،كنت رقيقا كخدّ وردة ، يخدشني أي شيء حتى لو جناح فراشة ، فكيف للموت أن يحطّ بكامل ثقله فوق صدري مرّة واحدة ..كيف للموت أن يخطف منّي أبي الجميل ، أبي العاطفي العطوف كسحابة ، الشامخ كجبل ، الكثير كالبحر ، النادر كالفرح..
كيف أفهم فكرة الموت التي أخافها؟ كيف أعيشها؟ كيف لي الاّ أرى جفنيّ والدي لحظة غفوته بعد اليوم ، الاّ أداعب غرتّه أثناء النوم ، كيف لي الاّ أشتمّ رائحة دخان “الجولد ستار” من ملابسه الشتوية ومن جاكيته الصوفي ، كيف لي الا أتذوق #ملوحة_العرق من على يديه عندما أقبلها وقد عاد للتو من السفر..؟
كيف لي الا أراه ثانية وقد طوى “الفروة” على ذراعه فجراً ليعبر بها برد #الصحراء..كيف لي الا أتمعّن تقاسيمه وهو يرتدي نظارات التكبير ويقرأ من مصحفه يوم الجمعة ، كيف لي الاّ أسمع صوت شاحنته المميّز وقدّ حطت رحالها قرب البيت ، كيف لي الاّ اكتب باصبعي على #الرمل_البرتقالي العالق على جوانب سيارتنا..كيف لي الاّ اشتم عطره من مسبحته “العسلية”..؟
قبل ثمان وثلاثين عاماً، مات أبي، كان يعاني من ضعف في عضلة القلب ، لم يخبرنا بذلك ، ولم يكن يظهر ذلك ، لم يكن لديه مراجعات طبية ، ولا #كيس_أدوية ، لم يشعرنا للحظة أنه بحاجة الى راحة ، كان يكّد ويشقى ويسافر، يريد أن يظل واقفاً، معتقداً انه من المعيب على الأب ان يتعب ، من المعيب على الأب ان يسقط، الأب بنظره يجب ان يموت واقفا ، أما #العرق_المالح الذي علق على شفتي ذات مساء ، لم يكن بسبب المسافات وانما بسبب #خفقان_القلب_المتسارع و #الاجهاد_الكبير الذي كان يخفيه عنّا بابتسامة…
رحل أبي ،وكم من أب رحل وهو يخفي أوجاعه بابتسامة…
انها فدائية الأب..
Ahmed.h.alzoubi@hotmail.com