عِصابات تَصاريح العمل
من يُصدق انه يوجد في الأردن ما يقارب المليون عامل وافد دون تصاريح رسميّة للعمل؟، فعلا شيء عَجيب في دولة صغيرة فيها بَطالة تتجاوز نسبتها 18.7 بالمئة، وهي من أعلى مُعدّلاتها في الفترة الراهنة مُقارنة عما كانت عليه في سنواتٍ خَلَت.
يبقى السؤال الذي حيَرَ الكثير من المراقبين هو كيفيّة دخول هذا الكم من الإعداد البشريّة إلى أراضي المملكة وانضمامهم بعد ذلك إلى سوق العمل تحت مظلة العَمالة الوافدة، ويعملون في كُلّ المِهن تقريباً دونَ رقيب وبدون أيّة تصاريح للعمل.
كُلّ دول المنطقة بلا استثناء لديها أنظمة رقابيّة على أيّ جهة تدخل البلد سواء أكان زائراً أو سائحاً أو عاملاً، فالجميع لديه قاعدة بياناتٍ مُتكاملة عن أيّ شخص يدخل البلاد لأي سببٍ كان، مم حيث الإقامة والعنوان وأرقام الهواتف والعناوين البريديّة والجهة المُستقدم اليها والأسباب لتلك الزيارة والغرض منها والمدة التي ينوي المُكوث فيها، وبالتالي لا يمكن لأيّ شخص سواء زائر أو الشخص الذي استقدمه أو وجّه له الدعوة أن يُجازف بتحّمل تبعات مُخالفة هذا الزائر لقواعد وتعليمات الاستقدام، لأن العقوبة القانونيّة لا تطال فقط الزائر، وإنما أيضا الكفيل أو الجهة المُستقدمة، والعقوبة تطال التسفير والغرامات والسجن أيضا في بعض الأحيان للجهتين على حدٍ سواء.
الحُكومة عَمِلت برامج وخططا لا حصر لها لتنظيم العَمالة الوافدة وتقليص أعدادها، وجميع تلك السياسات لم تُجد نفعاً ولم تُحققّ المرجو منها، على العكس كانت النتائج مُخيبة للطموح، فتارة ترفع الحُكومة قيمة تصاريح العمل وتُضاعفها، وتارة تنشد للاستقدام، وتارة توقفه، وتارة تحظر مِهن مُعينة على العمالة الوافد، والمُحصلة، لا شيء يتغير بحجم القوى العاملة في سوق العمل الأردنيّ، والمشاكل هي ذاتها مُنذ عقود لا تتغير.
في الحقيقة أن هُناك قوى مُتنفذة في المجتمع تَعمل على تعطيل إجراءات الحُكومة لتنظيم سوق العمل، وهي أشبه بالمافيات المُتخصصة باستقدام العمالة الوافدة وإدخالها إلى السوق المحليّة تحت مُسميات مُختلفة وبضغوطات تمارس على الحُكومة أيضا تحت حجج واهيّة مُتنوعة.
بعض المُتنفذين يقومون باستقدام عمالةٍ وافدة تحت مظلة الاستقدام الزراعيّ، وسرعان ما يختفي بعد ذلك ليُباع التصريح إلى جهة أخرى بإضعافٍ ماليّة كبيرة، الأمر الذي جعل الكثير منهم يُحققون أموالا طائلة جرّاء تجارة بيع تصاريح العمل، وهذا لا يتم حقيقة إلا بتواطؤ بعض العاملين في بعض المديريات الرسميّة المعنية بالاستقدام.
والكُلّ يعلم انه قبل فترة وجيزة حوّلت هيئة مكافحة الفساد إلى المُدعي العام عددا من الأشخاص العاملين في وزارات معينة لتسهيلهم لبعض الأشخاص بالحصول على تصاريح عمل مُخالفة لأحكام القانون، فهذه الظاهرة موجودة ومنتشرة في أوساط سوق العمالة الوافدة.
غالبية العمالة الوافدة التي تأتي إلى المملكة تأتي عن طريق بوابة العقبة وبواسطة إما تصاريح عمل للقطاع الزراعيّ أو تحت زيارة الوافد لقريب أو لجهة معينة سُرعان ما يباع تصريحه لجهة ما، للعمل في قطاع غير الذي جاء إليه، وهكذا تبدأ العمليّة، وفي حال اكتشافه من قبل وزارة العمل سرعان ما تجد قوى مُتنفذة توقف العقوبة وتعيد الكرّة مرّة أخرى.
لا أحد يشك في نوايا الحكومة مُمثلة في وزارة العمل في مُحاربة سماسرة تصاريح العمل، بل إنها جادة في مُتابعة المخالفين ومانحيّ تصاريح العمل دون وجه حق لأن الحقائق على أرض الواقع تؤكد أن الوزارة ومن خلال مُتابعة العمالة الوافدة وجدت الكثير من المُخالفات في منح تصاريح العمل وأن هُناك سماسرة يعملون على منح التصاريح مُقابل الحصول على مبالغ من العامل دون أن يهمهم ماذا يعمل وأين يعمل بعدها، وهذا كُلّه ظهر بعد مُتابعة العمالة الوافدة التي حصلت على تصاريح عمل بطرق مُلتويّة مُخالفة للأنظمة والقوانين والمهن التي يعملون بها.
لابد من آلية رادعة لِكُلّ من تسول له نفسه العبث في سوق العمل الأردنيّ، لأنه ببساطة عبث بالأمن الاقتصاديّ للبلاد، وعائق حقيقيّ أمام أيّة جهود إصلاحيّة موجّهة لِمُحاربة الفقر والبطالة التي تعصفان باستقرار المُجتمع، وهذا لا يكون إلا من خلال تطبيق دولة القانون وتعزيز مبدأ الشفافيّة ومُحاربة القوى الضاغطة لتجاوز القانون، وكشف سماسرة التصاريح الذين ينشرون العمالة الوافدة في كُلّ أنحاء البِلاد دون وجه قانونيّ سليم لِوجودهم.