عُبّاد الأخطاء
أنس معابرة
عُبَّاد الأخطاء
ذهبتْ أسرة لقضاء الإجازة في المنزل الريفيّ، حيث الطبيعةُ الجميلة الخلابة، البعيدة عن #ضوضاء_المدينة، وتلوّث الأجواء.
كان الأبن سعيداً جداً بالإجازة، فكان كثيراً ما يلعب في الخارج برفقة أخته، ويتسابقون في المُروج الخضراء، ويلعبون الى جانب البركة الصافية الهادئة.
وفي إحدى المنافسات التي لا تنتهي؛ حاول كلاهما رمي الأحجار في البركة الى أقصى مسافة، وكانت رمياتُ الغلام قوية وبعيدة، بينما كانتْ رميات الفتاة قريبة وضعيفة.
وفي نشوة إنتصار الغلام وفرحته بتفوقه على أخته؛ ألقى حجراً كبيراً بقوةٍ في البركة، فأصاب البطة التي كانت تسبح هناك، مما أدى الى موتها مباشرة، خاف الغلام وطلب من أخته إخفاء الأمر عن والديه حتى يتجنب #العقاب والتوبيخ منهم.
في تالي الأيام طلبتْ الأم من الفتاة تنظيف الغرفة، فمالتْ على أذن أخيها تطلب منه التنظيف، وإلا ستخبر الوالدين بما فعل، فما كان منه إلا أن بدأ بتنظيف الغرفة على أكمل وجه.
تراكمتْ الأعمال المنزلية على الغلام خلال الإجازة بسبب قتله للبطة، بينما كانت أخته تنعمُ بإجازة مثالية خالية من الأعمال المنزلية، الى أن جاء اليوم الذي ضاق فيه الغلام ذرعاً من تصرفات أخته، فذهب الى والدته وأخبرها بقصته مع البطة.
قالتْ الأم: لقد كنتُ أعرف ذلك، وشاهدته من نافذة المطبخ، ولكنني أردتُ أن أعرف الى متى ستظل عبداً لهذا #الخطأ؟ وكم هي المُدة التي ستتحملها وأنت تحمل هذا السر على كاهلك، وتخضع خلالها لتهديد أختك بقول الحقيقة؟
نحن بشرٌ، ومما لا شك فيه بأننا سنقترف #الأخطاء بين الحين والآخر، وسنُقصّر في أداء واجباتنا، أو في أداء حقوق الأخرين، فالطبيعة البشرية لا تنطوي على الكمال، بل إنّ الضعف والنقص هو أبرز ما يميزها عن مخلوقات الله الأخرى.
وبالتالي لا يمكنُ إعتبارُ إرتكابِ الأخطاء عيباً أو جريمة إلا لو كان مقصوداً ومُتعمّداً، أما إذا كان سهواً أو انشغالاً أو ضعفاً في النفس وتراجعاً في الهمة؛ فهو حقيقة النفس البشرية الضعيفة أمام الشهوات كما أسلفنا.
ولكن الجريمة الكبرى هو أن تصبح عبداً لأخطائك بعد أن ترتكبها، تماماً كما حصل مع الغلام حين قتل البطة عن طريق الخطأ، وكان ثمنُ ذلك باهظاً بالنسبة له، من خلال قضاء الإجازة في الأعمال المنزلية.
قد تقصِّر أحياناً تجاه بعض الأشخاص أو تخطئ بحقهم، وهنا يبدأ الخطأ في إستعبادك، وتحاولُ أن تتجنبهم في الإجتماعات واللقاءات، وتزداد الهُوّة بينكم، ومن الممكن أن تصل الى القطيعة الكاملة. بينما في المقابل؛ إعترافٌ بسيطٌ في الخطأ أو التقصير كان كفيلاً بإنهاء الأزمة في مهدها.
إن أوضح مثال على ذلك هو علاقتنا مع الخالق عز وجل؛ فنحن نُقصّر في العبادات، ونأتي المنهيات بين الحين والآخر، فإذا سيطر علينا الخطأ فسنزيد من الأخطاء والتجاوزاتْ، بينما لو أدركنا أن باب التوبة مفتوحٌ، ولجأنا الى رحمة الله عز وجل ومغفرته، وأعدنا الحقوق الى اصحابها، لطوينا صفحة ذلك الخطأ، وبدأنا في صفحةٍ جديدةٍ خاليةٍ من الذنوب برحمة الله.
البشر ليسوا بآلهة، وبالتالي قد يرفض بعضهم الصفح والغفران حين تطلبه منهم بسبب خطأ أو تقصير منك في حقهم، ولكنك بطلبه منهم قد تصالحتَ مع نفسك، وأمسيتَ على قناعة بأن هذا الخطأ قد ماتْ، ولن تكون عبداً له في المستقبل.
بعض الناس يتصيدون أخطاء الآخرين لتكون سلاحاً بأيديهم حين يحتاجون اليه، فلا مانع لديهم من تذكيرك بخطأ قد إقترفته بحقهم قبل عدة عقود، هؤلاء الناس سُود القلوب، حاول أن تبتعد عنهم، ولا تكن عبداً لهم أو لأخطائك بحقهم.