عيد الغزّة
م. #أنس_معابرة
اليوم هو اليوم الأخير من #رمضان على أحسن تقدير، وغداً هو أول أيام #عيد_الفطر المبارك إن شاء الله، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيامنا وصلاتنا ودعائنا في هذا الشهر الفضيل، وأن يجعلنا واياكم من عتقائه من النار، وأن يبلغنا شهر رمضان القادم ونحن بخير وصحة وعافية، وكل عام وأنتم بألف خير.
ماذا ستفعل في يوم العيد؟ كيف سيكون برنامجك؟ لعليّ اعطيك برنامجاً متكاملاً ليوم عيد مثالي لك، فاسمع مني يرحمك الله.
ستستيقظ مع صلاة الفجر لتغتسل غُسل العيد، وسترتدي أفضل ما لديك من الثياب، وستسير آمناً مطمئناً إلى المسجد أو مُصلى العيد، وستؤدي صلاة الفجر، وبعدها تبدأ بالتكبير والتحميد والتهليل حتى صلاة العيد، وتتبادل التبريكات والتهاني مع الأهل والجيران في المسجد.
بعدها لا بُدَّ من زيارة المقابر، لا أدري ما الذي يربط زيارة المقابر بيوم العيد، ولكنني نشأت على مشاهدة ذلك، وقمتُ بتطبيقها لاحقاً. ربما نزور المقابر لنخبر امواتنا أننا بخير، واننا ما زلنا على قيد الحياة لنعيش يوم العيد هذا، وندعو لهم في هذا اليوم المبارك بالرحمة والمغفرة.
بعدها تبدأ في جولة طويلة لزيارة الأرحام، تحتاج أحياناً إلى وضع خطة مُحكمة، وخط سير معلوم التفاصيل، تزور أرحامك وتقدم لهم التهاني بالعيد المبارك، ولا تنسى العيديات للأرحام وأولادهم، فهم بانتظارها.
ولا مانع أيضاً من تناول حلويات العيد في منازلهم، فالبيوت عامرة بالكعك والمعمول وقراص العيد، وأنواع الشوكولاتة المختلفة، وتعب بعدها الكثير من فناجين القهوة العربية والتركية، وكاسات العصائر والشاي والماء، وتعود إلى المنزل وأنت تعاني من التخمة المفرطة.
في ساعات المساء تشرّع أبوابك لاستقبال ذات الأرحام الذين زرتهم صباحاً، بالإضافة إلى العديد من الجيران والأصدقاء، تتبادلون التهاني والتبريكات في أجواء مفعمة بالود، والمحبة، والأمن، والاطمئنان.
ولكن هل تعلم أن لك أخوة في قطاع غزة ما زالوا تحت القصف منذ أكثر من ستة أشهر؟ هل فكرت كيف سيكون عيدهم؟ دعني أعطيك فكرة عن هذا العيد، كيف سيكون في غزّة.
في الصباح لن يغتسل أحدهم بغسل العيد، لأنهم لا يجدون الماء لكي يشربوه، بعد أن قطع الكيان الصهيوني عنهم الماء والكهرباء والوقود، ولجأوا إلى ماء البحر الذي لم يبخل عليهم بمائه المالح.
وكذلك لن يجدوا الجديد من الثياب، هذا إن بقت لهم أجساد لترتدي الثياب، فمصانع الملابس قد تدمرت وأحرقت عن بكرة ابيها، وسيكون أحدهم محظوظاً لو وجد قطعة من الملابس ليواري بها عورته أثناء صلاته.
لا أمان ولا اطمئنان هناك في غزة ليسير المصلون إلى المساجد، فبيوت الله قد تحولت إلى أهداف عسكرية، تصب عليها الطائرات الحربية والمدافع الحمم طوال الوقت، كما تحولت الشوارع إلى ساحات إعدام مباشر، حيث تستهدف الطائرات المسيّرة من يخرج ليقضي حاجة، أو ليبحث عن قوت عياله بعد أن شح وانعدم.
لن يزور أهل غزة المقابر هذا العيد، فالمقابر لم تسلم من الاعتداء والتجريف أيضاً، وتكشفت جثث الشهداء لتنهشها الكلاب الضالة، حيث لجأ المعتدون للقضاء على الأموات، بعد أن عجزوا عن مواجهة المقاومة الباسلة هناك.
ولن يزور أهل غزة ارحامهم هذا العيد أيضاً، فلا يخلو بيت من شهيد او اكثر، ناهيك عن العائلات التي أبيدت عن بكرة أبيها، فلن يجد أحد منهم غيره ليزوره في يوم العيد.
ومن مات منهم لا يعرف قريبه قبره، فاليوم باتت ارض غزة عامرة بالمقابر الجماعية لكثرة عدد الشهداء، ومن مات منهم تحت الأنقاض تحلل جسده، ولم يجد أقرباءه إلا بعض أجزاءه ليدفنوها تحت شاهد قبر يحمل اسمه، اكراماً له، وتخليداً لذكراه.
لا وجود لكعك العيد وحلوياته والقهوة هناك في غزة، فهي اليوم نوع من أنواع الرفاهية المحظورة، وبات اهل غزة يبحثون عن الطعام في حاويات القمامة، أو في إسطبلات الدواب، أو ينتظرون ما تجود به طائرات الإغاثة التي ترمي لهم ما يبقيهم على قيد الحياة.
كلامي هذا لا يمنعك من أن تفرح بيوم العيد، وأن تمارس طقوسه على اكمل وجه، ولكن يجب أن تتذكر أن لك اخوة في العقيدة واللغة والنسب والدم يعانون الأمرين في هذا اليوم.
لا تنسى اخوانك في فلسطين من الدعاء، فهم بحاجة إلى كل شفاه تنطق به، وإلى كل كف ارتفعت طلباً لغوثهم، ولا تفرّط كذلك بالمقاطعة، قاطع كل ما يمت للاحتلال الصهيوني بصِلة، قاطع بضائع الشركات والدول التي تدعم الاحتلال، فهذا هو الحد الأدنى من الجهاد الواجب علينا، أو ما تستطيع القيام به.