على بيدر أحمد الزعبي: مذراة من الكلام
اخط إليك بقلمٍ كسروه قبل قلمك الوطني الحرّ ، ومن محبرة حقائق الأمور التي جفت من حصار الباطل بصولجان الوطنية الزائفة، وعلى ورقةٍ حمقاء تحمل ختم عجزنا وانهزامنا وتخاذلنا أمام ضياع وطن واندثار أحلام شعب واهمة ، فنحن يا صديقي يا أبا عبدالله شعبٌ من كلام ودمى أرعبها الخوف.
وأنت في نزهةِ الظلم تطل من خلف بلورٍ لا تخترق غباره وسماكة زجاجة شمس الحرية ، ستجد ذات الوطن بمجتمعه الآخر ، قوانين أكثر صرامةً بين جدران السجن وفي أروقة العنابر والمهاجع ، ستجد قانون عرفي غير مكتوب تفرضه شلليات قاسية لا تختلف شيئأ عن شلليات ما خارج الأسوار ، رغم اختلاف الثياب بين الشلليات داخل السجن والشلليات خارج السجن ، ولو ان أناقة أصحابها خارج السجن تخفي خلفها شفرات ومشارط وسكاكين ترسم قرار نفي الوطنية عنك وعني وعن كل الغيارى حتى تتركه وشمًا في بقائه ألمًا وفي محاولة إزالته ألمًا أشد وجعا واكثر توجعًا.
وانت بيدر القمح الحوراني الذي لا زال شيخ الحقول وكبير بيوت الشبعى قبل الجوعى، لقد بذرت مبادئك الخالدة حتى صارت سنابل خضراء لن تصفر مهما شاخ الزمن ،ومهما حاولت مناجل الجهل والتجهيل وطمس القيم المشرقة التي هربت من معادلات الرياضيات والقسمة على أكثر من الحقيقة.
“السجن للزلم” هكذا قالتها لي منيفة السالم أمي رحمها الله وهكذا قالت لك ذات يوم كرمة العلي رحمها الله، فالوطن يا صديقي من داخل الزنانزن أصدق لسيرة حياتنا ، والسجن لنا هو التكريم الأكثر واقعية والوسام الأنصع على صدور وجعنا اللانهاية له .
في السجن ستجد احتراماً لا يقل عن احترامك القديم ، سجانٌ قروي ، ومحققٌ بدوي ، ومفتشٌ من الحضر ، سيقولون لك عبارات الثناء والحب على انفراد لأن ذات يوم طبطبت على أوجاعهم ، ستجد أصحاب الأسبقيات أكثر ثقة بك وبكلامك وتعاليلك ، ستجد الكرم الأردني تساعي الأبعاد بتجليات الشهمنة ، ستعرف شعبك الآخر ونصف المهمشين الأخر ، فالسجن يا صديقي زوادة الكاتب الذي نضب بعض بوحه ليقول الحقائق بألمٍ أكثر وبوجعٍ أشد.
يكفيك أنك لن تحفل بثيابٍ أنيقة وربطة عنق للقاء مسؤول منظر او استقبال ضيف طارئ وفضولي ، سوف تلبس مما أخاطته كفا سجينٍ مثلك ، سوف ترى كيف يحقق السجناء نظرية الاكتفاء الذاتي من كل الادوات البسيطة والمهملات الزائدة التي عجز عنها ساسة الشعب لأكثر من ثلاثة أرباع قرنٍ من التسويف والكلام