مهند أبو فلاح
ثلاثة و خمسون عاما انقضت بالتمام و الكمال على أكبر عدوان جوي تتعرض له أراضي المملكة الأردنية الهاشمية منذ نشأتها ، ففي الرابع من كانون أول / ديسمبر من العام 1968 تعرضت القطعات العسكرية العراقية الباسلة المرابطة على أراضي هذا القُطر العربي الاصيل منذ حرب حزيران / يونيو 1967 لسلسلة من الغارات الجوية الصهيونية العنيفة .
الغارات الجوية الصهيونية العنيفة استهدفت – بحسب المؤرخ العسكري العراقي المرموق العميد الركن صبحي ناظم توفيق و الذي كان في حينها ضابطا برتبة ملازم اول في الفرقة المدرعة العراقية الثالثة – القوات العراقية البطلة المنتشرة على امتداد المنطقة الواقعة غرب مدينة المفرق شمال شرق العاصمة الأردنية عمّان .
عدة أسراب من المقاتلات الصهيونية فرنسية الصنع من طراز سوبر ميستير و فوتور و ميراج شنت على مدار ساعة كاملة قصفا عنيفا غير مسبوق على الوحدات العسكرية العراقية المذكورة أعلاه ظهيرة يوم الأربعاء المصادف للرابع عشر من شهر رمضان المبارك و هو نفس اليوم الذي شهد عروس الثورات كما تعرف في الأدبيات البعثية قبل ذلك اليوم بخمسة أعوام و تحديدا في الثامن من شهر شباط / فبراير من العام 1963 ، حينما أطاح حزب البعث العربي الاشتراكي بنظام عبد الكريم قاسم ذو الطبيعة الشعوبية .
اختيار العدو الصهيوني لهذا التاريخ تحديدا ( الرابع عشر من رمضان ) لشن عدوانه الغادر الجبان لم ينبع من فراغ كما يبدو بل إنه جاء عن سبق إصرار و ترصد بغية الانتقام من نظام البعث الشرعي الاصيل الحاكم في بغداد الرشيد و ثأرا من دعمه اللا محدود للمقاومة الفلسطينية و العمل الفدائي في عمق الأراضي العربية المحتلة .
لقد اطلق العدو الصهيوني تهديدات سافرة ضد القوات العراقية العاملة في الاردن بعيد أسابيع قليلة من عودة حزب البعث إلى سُدة الحكم في بغداد على إثر ثورة ١٧ / ٣٠ تموز المجيدة التي أطاحت بالرئيس عبد الرحمن عارف في صيف العام ١٩٦٨ ، على إثر وقوع سلسلة من العمليات الفدائية الجريئة في الشطر الغربي من مدينة القدس المحتلة في شهر آب / اغسطس من العام نفسه .
حكام تل أبيب وجدوا أنفسهم في موقف حرج لا يحسدون عليه أمام تصاعد نشاط رجال المقاومة الابطال الذي توج بعملية فدائية نوعية في سوق محانيه يهودا في القدس الغربية بتاريخ ٢٢ تشرين ثاني / نوفمبر من العام ١٩٦٨ حيث أدى انفجار سيارة مفخخة إلى مصرع ١٢ صهيونيا و إصابة العشرات الآخرين بجراح مختلفة ، و تعالت صيحات الثأر و الانتقام لدى المسؤولين الصهاينة المتعطشين لسفك الدم العربي لا سيما مع تواتر الانباء القادمة من بلاد الرافدين عن تفكيك عدة شبكات تجسس تابعة لجهاز الاستخبارات الصهيونية الموساد .
تلك الأنباء القادمة من عراق العروبة العظيم و التي افقدت الصهاينة صوابهم عن اعتقال ١٤ يهوديا عراقيا في كل من بغداد و البصرة بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني افقدت حكام تل أبيب صوابهم فسارعوا إلى شن تلك الغارات الجوية العنيفة متوهمين أنهم قادرين على إرهاب القيادة البعثية المؤمنة برسالة أمتنا الخالدة و ردعها عن دعم العمل الفدائي و الكفاح المسلح ضد الصهيونية ، لكن رهاناتهم خابت و خسرت أمام صمود ابطال الجيش العراقي الباسل حيث استطاعت المضادات العراقية الأرضية من إسقاط قاذفة فوتور صهيونية فرنسية الصنع قرب بلدة بلعما في أقصى غرب محافظة المفرق الواقعة على الطريق الواصلة اليوم بين مدينتي الزرقاء و إربد عروس الشمال .
الطائرة الصهيونية التي تم إسقاطها تمكن طيارها من القفز منها بنجاح عبر المظلة ( البراشوت ) قبل أن يتمكن راع عربي أردني من سكان منطقة بلعما من آل الخوالدة الكرام من عشيرة المليون البطلة – بني حسن – من الإجهاز عليه بوساطة مسدسه قبل أن تنجح طائرة عمودية صهيونية ( هيلكوبتر ) من إخلاء جثمان الطيار الصهيوني القتيل .
على أية حال فإن الغارة الصهيونية العنيفة لم تلحق سوى خسائر بشرية محدودة جدا في صفوف أفراد الجيش العراقي البواسل قياسا بحجم الرمايات المكثفة على مواقعهم العسكرية ، إضافة إلى ذلك فإن هذه الغارة لم تفت في عضد القيادة العراقية في بغداد حيث قررت المضي قدما في محاكمة الجواسيس الصهاينة ، و لم يمر شهر واحد على تلك الغارة العنيفة حتى أصدرت محكمة الثورة في بغداد أحكامها بالاعدام على هؤلاء الجواسيس و هذا ما تم تنفيذه بالفعل في شهر كانون الثاني / يناير من العام ١٩٦٩ في كلٍ من بغداد الزوراء و البصرة الفيحاء على نحو جعل نوبة من الهيستريا الجنونية تنتاب ليفي اشكول رئيس وزراء العدو الصهيوني الذي أعترف بها علانية على رؤوس الأشهاد قائلا ” إن حكام العراق الجدد يسعون إلى إحياء امجاد بابل القديمة ” في إشارة إلى السبي البابلي الذي تعرض له أجداده قبل عدة قرون من ميلاد السيد المسيح عليه السلام .
هكذا فشل حكام تل أبيب فشلا ذريعا في مسعاهم اللئيم لثني عراق البعث العربي الاصيل عن دعم المقاومة الفلسطينية و هذه الحقيقة التي يجب أن تدركها أجيالنا الشابة الصاعدة الواعدة و أن العراق كان الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها اعتى امواج الغدر الصهيونية الجبانة القذرة .