طلسم في الظلام
يتصاعد الصراع ويتغير شكله، فبعد ان كان صراعا من اجل البقاء أو الفناء، نجد في بلاد بعينها انه ليس امامك خيار سوى الموت او الرحيل عن بيتك ولعل سوريا مثلاً صارخاً على ذلك، وفي اماكن اخرى صار صراعا من اجل لقمة العيش بعيدا عن أي متطلب اخر كالكرامة او الحرية ولعل مصر مثلا جليا على ذلك.
الانظمة العربية الباقية على قيد الحكم فقدت قدرتها على السيطرة ولا تمتلك ادوات معالجة الفقر المتفاقم او الارهاب المزعوم وعملياً هي انظمة تنتظر اشارات من هنا وهناك لتبني مصنعا او مدرسةً هي دول تعيش بناء على اوامر سفراء الدول الكبرى حيث لا حيلة للحكام سوى خداع الشعوب بخطابات زائفة مكشوفة.
نظريا اغلب شعوب الدول العرجاء في المنطقة العربية ينصاعون ويمشون خلف انظمتهم متحملين كل اشكال العناء على أمل تعديل الاحوال وحتى لا تتدهور الحالة الامنية لدرجة لا يمكن التراجع عنها فتنشب حروبا اهلية تحركها الصهيونية تحت شعار المطالبة بالحرية .
منظف الاحذية اخر شخص يهتم بنظافة حذاءه ، وصانع السلاح الفتاك اخر شخص يُقتلُ فيه، وبائع الجرائد على الاشارات الضوئية لا يقرأ سوى العنوان، وكثيرة هي العبارات التي تصف العدالة بشكل موجِع، وما بين الصراع من اجل البقاء او الانكشاف تحت السماء ودخول مخيمات اللجوء في بلاد العرب تسكن الحقيقة في السجون، حيث الأسرى يقاومون ببطونهم الفارغة في حين تتفنن سلطة عباس وإسرائيل بنثر بذور الفتنة لإفشال اخر اشكال الصدق في المقاومة، وإظهار قائد بحجم مروان البرغوثي بصورة سلبية وتقسيم الاسرى الى فصائل لتصبح مقاومتهم ايضا عرجاء.
تعبت اقلام المحللين والكتاب وهي تشخص حالة الوطن العربي وبؤر النزاع ، وبرغم جلاء الصورة وحالة التنافس على الفناء من اجل البقاء، تنقسم الامة على بعضها بشكل متوالية هندسية مرعبة اشبه ما تكون بلوحة فنان قدير خبأ خلف الوانه عددا لا يحصى من الحكايات او كسجل تاريخ انتجه الله كتبا مقدسة اخذ كل انسان يفسره على هواه ليبرر طريقته في عبادته، فيجعل الموت اقرب الطرق لنيل رضاه، فبعد ان كنا نعتقد اننا كمسلمين منقسمون لبضع وسبعون شعبة وجدنا انفسنا مجتمعين على شعبة القتل او الرغبة في الموت، ووجد النصارى انفسهم ابعد ما يكونوا عن سماحة المسيح وزارع القمح الذي يفترض انه اول من يأكل من جناه، وجد نفسه اماما خيارين احلاهما مر، اما ان يحرق حقله حتى لا يحصده عدوه ، او يتقاسمه صاغرا مع من احتل ارضه .
لعلي لا ابتعد كثيرا عن الحقيقة اذا قلت أن لا احد يمتلك الحقيقة الكاملة عما يجري، مع انها تبدو واضحة تمام على اخر الأفق، حيث كل منا يستشعر المرارة والظلم ويدرك ان الدول العربية كلها تأتمر بأمر اسرائيل وأمريكا، وان حكامنا كثيرا ما يكونوا معذورون لانصياعهم وانبطاحهم امام جبروت العدو، لكن اكثر ما يؤلم اننا كشعوب نساهم الى حد كبير في تغليب الفناء على البقاء وبإضعاف الأسرى المقاومون ببطونهم الفارغة، وإلا ما معنى ان ينشغل الفلسطيني بمباراة برشلونة ومدريد اكثر من انشغاله بقضية القدس وأعمال عباس .! انه امر اشبه ما يكون بطلسم في الظلام .