طبق الحب الرمضاني / سعيد ذياب سليم

طبق الحب الرمضاني
سعيد ذياب سليم

من بين الأطباق الرمضانية الذي ينافس في أهميته طبق الشوربة و طبق الحلوى و ربما الطبق الرئيسي على المائدة هو طبق الحب ! فكيف يتم إعداده و أين نضعه بين الأطباق ؟
تقف سيدة البيت في المطبخ جُل النهار تحضّر قائمة طويلة من الطعام للإفطار الرمضاني ، سلطات خضراء طازجة ، شوربات لفتح الشهية ، مقبلات تتوزع على المائدة التي يتوسطها الطبق الرئيسي، تشعل رؤوس عدة لغاز المطبخ موزعة عليها الأواني غير تلك التي تضعها في الفرن .
ثم تُعد الحلوى ليكون جاهزا في موعد تناوله ، تتنقل بين أواني الطبخ في سباق مراثوني حتى تكون المائدة جاهزة قبل انطلاق مدفع الأفطار العنيد، وتُراجع القائمة مرارا ، هل نسيت شيئا؟
يبسط رمضان هيمنته على مختلف أوجه حياتنا و يلفّها بلون رمادي وقور و يحمل منا اللوم و العتب و نحتج به على كثير من أخطائنا، ترتفع أصوات البعض بعصبية ظاهره في نهاره عندما يذكرون رائحة القهوة أو السيجارة، تزدحم الشوارع بالمركبات قبيل الإفطار و كأنه الحشر، تكثر المخالفات فهل هذا موسمها! و ترى العجب و أنت تتحاشى هذا و ذاك لتصل البيت سالما و بأقل قدر من الكدمات النفسية و العاطفية.
فإذا غابت الشمس و أذن المؤذن لأذان المغرب تلت القلوب صلواتها ثم جَلَسْت العائلة للإفطار حول المائدة وكأنها قيد حول معصم ، ترى حالة من الكوميديا تسابق فيها الأيدي الأفواه ، ربما تتقدم سيدة الموقف السيجارة لتحصل على الإهتمام كله ثم تركض الخيول عبر المائدة في سباق حواجز لتصل إلى النهاية و قد تناولت ما لذّ و طاب منهكة بأنفاس قصيرة متلاحقة لا تترك إلا مساحة ضيقة تتمدد فيها الرئة و تتقلص بعصبية، ثم تذهب في سبات ما أشبهه بسبات أفعى ابتلعت بقرة.
تضيع الأمسيية في انتظار ان تخف المعدة في جلسة سلبية يتحكم فيها سدنة التلفاز ، تصيب المرء بلاهة و هو يشاهد وجبة دسمة و غير قابلة للهضم من المسلسلات التي تشوه الواقع مستخدمة ألفاظا سوقية بذيئة وأفكارا غريبة عن كثير من مجتمعاتنا، لتمتد السهرة حتى السحور و ربما ساعات الفجر الأولى ننسى بين ذلك كله طبق الحب و ميعاده.
ماذا لو أخذناه في الحسبان و أقمنا له الطقوس و تركنا له متسعا من الوقت فإن لم نستطع فاختلاسا يجتمع عليه الشريكان يتناولانه في وقت يمكن تذوقه و الاستمتاع به. فما الإنسان – عقلا و قلبا و روحا -إلا مجموعة من الأحاسيس و الرغبات و الحاجات التي إن تركت دون أن تُلبى انعكست نكدا على حياته.
ترى كيف نصنع طبق الحب هذا و ما هي مكوناته ؟ أيشبه “البسبوسة” أم “أصابع الست” أو “شيخ المحشي”؟ أيمكن استبداله بطبق “الفول” ؟ أله مذاق حلو أم حِرّيف وكيف يتم إعداده؟
لم تترك لنا ربة البيت صنفا إلا وضعته على المائدة لكن طبق الحب هذا حالة من الحب و الحبور تولد كموجات بحرية صغيرة في عرض البحر ، لتصل الشاطئ موجات عملاقة لا يصنعها إلا الذواقة!
نحتاج في إعداد هذا الطبق مهارة خاصة تشترك فيها الإيماءة و الكلمة الحلوة و العاطفة الصادقة و الخصوصية التي يحتاج لها أفراد الأسرة تتوزع في زوايا كزوايا الصوفيين ، لتخلو الصالة و يعود إلى الليل سكونه و سحره، فهذا قائم يناجي ربه و ذاك جالس يتلو ورده، و هاذان يتناجيان يشكوان الغربة و طول الطريق في همس له صدى موسيقى و صلاة روح تزيل تعب القلب و تعزز الوصال.
فهلّا وضعنا طبق الحب هذا بين أطباق المائدة و خصصنا له الوقت و الاهتمام نراعي فيه الحقوق و الواجبات و نعيد لرمضان شفافية نهاره و سحر ليله و غموضه!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى