طابون من طين وتبن وحطب ونار وتعب جدة وصبح زاهي على شكل خارطة الأردن من الشمال وسط جنوب وبادية فرن تنور وطابون وصاج وأشعل النار وخبز يقرص ويرق خبز تزخرف وأخذ البركة من بين يدين أمهاتنا وجداتنا فكواير قمحنا أمتلئت ومطاحننا تدور وحتى خمريتنا من صنعنا فمع ساعات الصبح وبزوع نجمة الصبح المنيرة تدار أفران الطوابين في قرانا وقشيع ونبات بلان يشتعل تحت الصاج في بوادينا للخبز الأسمر رونق فهو من عرق جباتنا السمر ومن رق عجنة تعفر طحينها بثوب جداتنا وأمهاتنا يزداد لون الحطب والبلان توهجاً وجداتنا وأمهاتنا يصلون بأدعية تدخل القلب لتزداد البركة في كل شيء بركة الصحة والفرح والمحبة وبين صوت هديل يمامة وهبة زارزير وصياح ديوك القرية وعجال يسوق قطيع بقر وراعي بشبابتة المعهودة يقود قطيع من االغنم وأرغفة خبز ساخنة خرجت من جوف فرن تسبح الخالق على نعمته وعجة ببيض بلدي وسمنة بلدية ومقلاة نحاسية من زمن لم تتنوع به أدواتنا المطبخية وكيس لبن مشخول معلق على شجرة تخرج اللبنة من جوفه كأنها زبدة خارجة من بطن شكوة ” سعن ” وشاي ينادي السكر ويدعو أوراق النعنع أن تخرج من مصطبتها لتسبح في أبريق الشاي النيلي ، ف الطبلية تنادي وأرغفة الخبز تتكدس والغموس جاهز وأطياب ونكهات متعددة وشنينة تعشقت الندى في ذاك الصبح الباكر وحقول خضراء على مد النظر وربيع نيساني المولد ، فالشم في ذلك الزمن متعة بين أزاهير ورياحين ونكهة لبنة رائحة سمنة بلدية وخبز ومواقد بخورية فمن الشم تأتي درجة التذوق فهو رادار الحاضر لأكتشاف كل ما هو طيب وصحي ، نعم هكذا كان زماننا وزمن من سبقونا وطريق الصباح في ظل بيوت ضاحكة تبتسم للخير والحياة وقرية فطورها وغذائها وعشاءها من خير أرضها فاللبن واللبنة والزعتر والزيت والسمنة والزبدة البلدية متسيده على مائدة الصباح والضحى ومرقة العدس والمجدرة وطبيخ الطيانات والرشوف والجريشة وصواني الدجاج بالطابون هي متلازمة الغذاء والعشاء ونواشف للعشاء وسهروتعاليل ومضافات على قلية وبطم وشوي بلوط وشيء من حلوى ريفية وكاسة شاي ترتشف فهي خير جليس وأنيس هي والمحبوبة السمراء ” القهوة ” فرشفة أو رشفتين أو ثلاث ولفة سيجارة تتن وعجات عليها وتبدأ السواليف عن حياة فلان وأيام الجراد والسفربرلك والثلجة الكبيرة وفلسطين ورومل وهتلر والهر أو ابو علي وأذاعة لندن وراديو المختار ويونس البحري حيا الله العرب من أذاعة برلين ولور دكاش وأسمهان يا ديرتي مالك عليا لوم وليه يا بنفسج وسنوات الغلال والمحل والسكة بتحك وضحكات وألقاب ونوادر وربابة وشروقي وهجيني وحداء ومنقل فحم وصب قهوة وصوت يخترق الحكايات والشمس غابت يا ابن شعلان وأريد أدور معازيبي والدلة تسكب على الفنجان وبهارها جوزة الطيب وسكون قرية لتفيق على صبح جديد .