صرخة من قبر شهيد
م. عبدالهادي الحوامدة
لا ادري كيف ينام مسؤول في هذا الوطن المنكوب بنا وليس بسوانا وهو يعلم ان هنالك اسرة اردنية تنام “بالغابة” ولا تجد حتى خرابة او مغارة تسترهم عن برد الشتاء وحر الصيف وعن عيون المتلصلصين واللصوص ؟؟!!
لا ادري كيف تقر عيوننا وترتاح ضمائرنا ونحن نرى اسرة اردنية لابن شهيد في القوات المسلحة الاردنية استشهد وهو يذود عن هذا الحمى الاردني الطاهر تنام في الاحراش وتخاف ان تنهشها الكلاب والضواري بعد ان تقطّعت بهم السبل ولم يجدوا يد حانية تمسح البؤس واليأس والخوف عن قلوبهم المكسورة ؟؟؟!!!
اسرة كل ذنبها انها اردنية فقيرة لابن شهيد ذهبت دمائة هدرا فابتلعتها مصائب الايام وسود الليالي وظلم اقرب الناس .
اثناء جلوسي في مكتبي لاحت امام عيوني سيدة ضعيفة الحال محنية الظهر رغم انها ربما لم تتجاوز بعد الثلاثينات من عمرها .. كانت تنظر للارض بكل انكسار وهمهمت بكل ضعف : انته عبدالهادي ؟؟ فاجبتها بنعم فقالت انته مره كتبت عن حماتي زوجة الشهيد اللي كانت تنام بدكان وتم مساعدتها وبقينا نقيم معها حتى ماتت قبل مدة بالسرطان حيث تم القائنا للشارع ؟؟؟!!! ثم اكملت قولها انا بنام مع جوزي بالحراش والشتويه قربت وبخاف اموت من البرد وتوكلني الكلاب لانه مافيه حدى يسأل عنا !!! واتبعت تقول : حتى الكلاب الها جحور تنام فيها اما انا لا ؟؟!!!
بدكم الصحيح لحظات وكنت ساصاب بجلطة من شدة حزني وخوفي على وطني .. هل يعقل انه في هذا الوطن الحبيب هنالك اسرة تنام في العراء ؟؟؟!!!
هل يعقل اننا اصبحنا ناكرين عاقرين جاحدين لرموز الوطن من الشهداء ؟؟!! هل يعقل ان احفاد شهيد قدم روحه لهذا البلد بصمت يناومون في العراء ونحن ننام على انعم الفراش ونتفلسف خلف الشاشات ببطولات كلها لاتسوى فلس في فضاء الوطنية والتضحية والفداء ؟؟!!
نعم لقد خدشت روحي من الداخل ملامح هذه السيدة المنكوبة وانفجرت داخلي براكين من غضب وانا ارى دموعها تسيل على وجهها الشاحب المرسوم عليه كل صور البؤس والياس والانكسار ؟؟؟!! كانت تتلعثم وتهتز يداها من شدة الحزن .. اقسمت انها منذ يومان لم تتناول الطعام والشراب ولم تشرب الماء سوى من الينابيع “وقني” ري المزروعات ..
يالله ارحمنا ولاتنزل غضبك علينا هكذا همهمت روحي بكل خوف .. فاخذتها على الفور للمحافظ بعد ان كتبت لها شكوى تبين حالتها .. لم يقابلنا المحافظ ولكنه شرح على الشكوى بان يتم عمل كتاب لها للتنمية ولصندوق المعونة الوطنية لعل وعسى ان يساعدوها بشيء .. اخذنا الكتب التي اوعز بها المحافظ الى المكان المطلوب ولكني ارى ان موضوع هذه الاسرة يحتاج لقرار قوي وايادي بيضاء متفهمة لمثل تلك الحالات الانسانية بعيدا عن الروتين والفلسفة “والمطمطه”
اسرة تحتاج الى يد مسؤول وطني تمسك بهم ولا تنام ولا تتركهم الا وهم داخل بيت يحميهم من برد الشتاء وامان اسري يسد عوزهم وفقرهم ويسندهم على جور الزمن لترتاح روح الشهيد وتقف صرخاته بقبرة فيطمئن ان تضحياته لم تذهب سدى
ترى هل نسمع صرخته من قبره ونسعف اهله قبل فوات الاوان ؟؟!!
مواطن اردني من احدى شعاب هذا البلد الصامد
